من المستطيل الأخضر إلى شاشة التداول.. هل تصبح البورصة ملعبًا جديدًا للأندية المصرية؟

لم تعد كرة القدم مجرد تنافس داخل المستطيل الأخضر؛ بل تحولت إلى صناعة عالمية بمليارات الدولارات، ومع انتشار نماذج الأعمال التجارية في أوروبا وأمريكا، وتصاعد أحجام حقوق البث والرعاية وعمليات الاستحواذ التجارية، باتت فكرة قيد الأندية في البورصات خيارًا مطروحًا على طاولة العديد من الأطراف.
والسؤال المطروح حاليًا: هل تستطيع الأندية المصرية وعلى رأسها الأهلي والزمالك وبيراميدز، أن تخوض تجربة الطرح في البورصة وتتفادى إخفاقات سابقة مثل محاولة غزل المحلة في 2022؟.
القانون المصري فتح الباب أمام هذا التوجه من خلال نص المادة 17 من قانون الرياضة الجديد، التي تمنح الحق للشركات المزاولة للخدمات الرياضية في الاستثمار وطرح أسهمها بالبورصة وفقًا لأحكام القانون.
ورغم وضوح الإطار التشريعي، يبقى التحول من كيان رياضي إلى كيان تجاري مدرجًا في سوق المال محاطًا بتحديات عملية كبيرة.
ولم تكلل بالنجاح، تجربة غزل المحلة، التي اعتُبرت أول محاولة جادة لقيد نادٍ مصري بالبورصة.
وكانت شركة غزل المحلة لكرة القدم بدأت في 12 يونيو 2022 الاكتتاب العام في أسهم زيادة رأس المال المصدر للشركة من 102 مليون جنيه الى 200 مليون جنيه، في السوق الأولي وذلك لعدد 98 مليون سهم من أسهم رأسمال الشركة بسعر 1.02 جنيه للسهم.
وأعلنت الشركة مد فترة الاكتتاب مرتين بسبب ضعف الإقبال، لكن فى 28 أغسطس 2022 أعلنت إدارة البورصة المصرية، أن إجمالي كميات الأوامر المسجلة بسوق الصفقات الخاصة على أسهم زيادة رأس المال المصدر لشركة غزل المحلة لكرة القدم وصل إلى 17 مليونا و609.7 ألف سهم، ما أدى إلى فشل الطرح قبل استكماله.
ولا تزال هذه الواقعة تتردد في أذهان المستثمرين والجماهير على حد سواء، وتُشكّل عائقًا نفسيًا أمام أي محاولة جديدة.
فريد: شروط قيد الأسهم واضحة
قال محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن قواعد القيد في البورصة المصرية تُلزم بألا تقل نسبة الأسهم المطروحة للاكتتاب عن 20% من إجمالي أسهم الشركة، وألا يقل عدد المساهمين عن 200 مساهم، مع مراعاة ضوابط تخصيص الأسهم ونسبة التداول الحر التي لا تقل عن 10% من إجمالي الأسهم.
أضاف فريد لـ “البورصة” أن قيد الأندية الرياضية الكبرى في البورصات العالمية لا يعد أمرًا جديدًا، مستشهدًا بمثال نادي “مانشستر يونايتد” الذي قيدت أسهمه في بورصات عالمية.
وأضاف أن الشركات المساهمة، شريطة وجود إدارة متخصصة ودعم في التعاقدات الرياضية وتحقيق موارد مالية كافية، ستحقق تمويلًا ممتازًا للمساهمين ويسهم القيد في تعظيم موارد الاستثمار وبناء هيكل تنظيمي وإداري ومجلس إدارة متخصص ووجود جهات رقابية للإشراف المالي.
ولفت فريد إلى أن الشركات الرياضية في مصر لم تطرح أسهمًا للاكتتاب العام من الأساس حتى تُقيَّد أسهمها في البورصة، وأن تنفيذ عملية طرح أسهم ناجحة سيسهم بلا شك في إنعاش السوق المصري من الناحية المالية والإدارية بشرط توافر الشروط النظامية والشفافية في العرض والترويج والتسعير.
عيد: “بيراميدز” يسير على خطى “يوفنتوس” في القيد ببورصة ميلانو
قال ممدوح عيد، المدير التنفيذي لنادي بيراميدز، إن النادي يسير على خطى نادي يوفنتوس الإيطالي الذي قيد أسهمه في بورصة ميلانو، مشيرًا إلى أن ارتفاع قيمة أسهم يوفنتوس إلى مستويات ملحوظة تزامن مع صفقات لاعبين كبرى مثل قدوم كريستيانو رونالدو.
وأضاف لـ “البورصة” أن خطوة “بيراميدز” للقيد في البورصة ستُنفّذ عبر خطة استراتيجية محكمة تشمل إبرام تعاقدات مع لاعبين أجانب ودوليين بصفقات موسمية يبلغ مجموعها نحو 1.5 مليار جنيه، إلى جانب ارتفاع عقود الرعاية التي تُعد ركيزة أساسية لأي كيان رياضي يسعى لجذب مستثمرين في سوق المال.
وأوضح عيد، أن المادة 80 من قانون الرياضة الجديد تُشير إلى تشجيع الشركات على مزاولة الخدمات الرياضية ومنحها الأحقية في طرح أسهمها وفقًا لقواعد سوق المال.
ولفت إلى أن هذه الشركات لن تستفيد من امتيازات أو إعفاءات خاصة خلافًا لما جاء في نص القانون (المادة رقم 8 من أحكام الفصل الثاني)، ما يعني خضوعها لجميع الضوابط المعتادة في سوق المال.
الوزيري: الطرح يفتح آفاقًا للاستفادة من أدوات التمويل المتاحة
من جانبه، يرى سيف الوزيري، رئيس مجلس إدارة شركة «إستادات»، أن الأندية الجماهيرية ينبغي أن تبادر بالطرح في البورصة، معتبرًا أن هذه الخطوة ستعود بالنفع على الأندية نفسها وعلى سوق المال المصري، عبر جذب شرائح جماهيرية واسعة للاستثمار وتعزيز الثقافة المالية بين مشجعي كرة القدم.
وأضاف أن الطرح سيفتح آفاقًا واسعة أمام الأندية للاستفادة من أدوات التمويل المتاحة وتنويع مصادر الدخل، ما يُسهم في تقليل الاعتماد على مصادر تمويل تقليدية ويمكّن الأندية من بناء هياكل تمويلية مؤسسية تُدعم خططها التوسعية والتشغيلية.
المندوه: إدراج الأندية يتطلب ترويجًا جيدًا ودراسة دقيقة للمخاطر
قال حسام المندوه، أمين صندوق نادي الزمالك، إن إدراج الأندية وشركات الكرة في البورصة يحتاج إلى عدة عوامل أبرزها الترويج الجيد قبل البدء، ودراسة مزايا ومخاطر هذا الإجراء لأن من الوارد أن يفشل الطرح كما حدث في غزل المحلة.
وأشار إلى أن الزمالك يسعى في الوقت الراهن لحل أزمة أرض السادس من أكتوبر التي تم سحبها مؤقتًا من قبل وزارة الإسكان قبل التفكير في أي خطوة نحو الطرح بالبورصة.
أضاف أن الأمر يتطلب شرحًا وتوضيحًا للمستثمرين لمعرفة طبيعة العمل وطبيعة الإيرادات والمخاطر والتسعير المناسب للطرح.
ولفت المندوه إلى أن نجاح هذا الاقتراح سيؤدي إلى ضخ سيولة كبيرة في السوق المصرية وسيزيد من عمقها ويمنح القطاع الرياضي أدوات تمويلية جديدة إذا ما طبقت معايير الحوكمة والشفافية.
قنديل: شعبية الأهلي والزمالك قد تتحول إلى قاعدة مستثمرين واسعة
من جانبه، قال طارق قنديل، عضو مجلس إدارة النادي الأهلي، إن نسبة نجاح طرح أسهم الأندية الكبرى في البورصة المصرية ستكون كبيرة نظرًا للشعبية الطاغية التي تحظى بها أندية مثل الأهلي والزمالك.
وأوضح أن القاعدة الجماهيرية الكبيرة قد تتحول إلى قاعدة مستثمرين ومساهمين إذا ما سنّت آليات تسهل المشاركة وتزيد من الوعي الاستثماري.
لكنه حذر من أن ضعف الوعي الاستثماري لدى جزء من الجماهير والمستثمرين قد يقوض تجربة الطرح، مؤكدًا أن نجاحها يتطلب جهودًا متضافرة لرفع الثقافة الاستثمارية وشرح الفوائد والعوائد المتوقعة للمستثمرين، بالإضافة إلى الالتزام بمعايير الحوكمة والشفافية في إدارة الأندية.
السيد: شركات رياضية تحقق أرباحًا مؤهلة للقيد لكن التحديات التشغيلية قائمة
وأكد جاسر السيد، الرئيس التنفيذي لشركة «فورورد إيجيبت» للصناعات الرياضية، أن شركته تحظى بكل الشروط التي تؤهلها للتقدم بطلب قيد في البورصة المصرية، وأبرزها توفر قوائم مالية لسنتين ماليتين سابقتين على طلب القيد ومصدق عليهما من الجمعية العامة، فضلًا عن تحقيق نسبة صافي ربح تزيد على 7% من رأس المال وأرباحًا فاقت 100 مليون جنيه.
أضاف أن التعاون الاستثماري مع الأندية الكبرى يعزز ميزانيات الشركات ويفتح آفاقًا للتوسع، مستشهدًا ببيانات ميزانية بعض الأندية التي شهدت نموًا في السنوات الماضية؛ فعلى سبيل المثال ارتفعت ميزانية أحد الأندية الجماهيرية من 1.013 مليار جنيه عام 2018 إلى 1.294 مليار جنيه عام 2019 بنمو نسبته 21%.
أوضح جاسر أن العائق الأساسي أمام التوجه نحو القيد في البورصة يظل مرتبطًا بتراجع معدلات نمو بعض الشركات مقارنة بمعدلات النمو التاريخية نتيجة ضغوط المساهمين والتحديات التشغيلية.
وأشار إلى أن الشركات المطروحة في الأسواق عادة تحقق نموًا يصل إلى 40% على المدى المتوسط، وما دون ذلك قد يُعد أقل جاذبية بالنسبة للمستثمرين الباحثين عن عوائد سريعة.
كما أشار إلى أهمية أن تكون هناك رؤية استثمارية واضحة لدى الشركات ومؤشرات أداء مالية متسقة تُسهم في كسب ثقة المستثمرين، بالإضافة إلى التزام بالإفصاح والحوكمة ومتطلبات الإفصاح التي تفرضها الهيئة والبورصة.
عوني: الإسماعيلي والمصري البورسعيدي الأكثر جاهزية للقيد بجانب القطبين
وقال سيف عوني العضو المنتدب لشركة إيليت للاستشارات المالية أن ناديي الإسماعيلي والمصري البورسعيدي هما الأكثر جاهزية نحو القيد في البورصة فضلا عن الأهلي والزمالك، لأنهما يمتلكان قاعدة جماهيرية من طراز فريد، ومن الوارد ان يتحول جمهورهما إلى مكتتبين أو مستثمرين يحوزون الأوراق المالية نحو أسهم النادي.
ففي عام 2012 أعلن النادي الأهلي برئاسة محمود الخطيب عن إنشاء شركة كرة، وكانت ستسهم بحد كبير للقيد نحو البورصة .. إلا أن المشروع سقط بسبب توقف الدوري العام، إضافة إلى هبوط أندية مصر المقاصة، ووادي دجلة، والجونة في وقت سابق ثم الصعود مرة أخرى، وهو ما أسفر عن فشل قيدهما في البورصة المصرية.
وأشار سيف الدين إلى أن هذا الاقتراح يعتبر واعدا لكنه يواجه أعباء عدة، أهمها عدم جاهزية الشركات الرياضية غير المدرجة من حيث نتائج الأعمال، وطبيعة الأسواق المالية، لأن الشركة حين تطرح في البورصة تتحمل أعباء قانونية وإجرائية تتمثل في علاقات المستثمرين، وإجراءات الحوكمة، إضافة إلى الأندية غير المؤهلة بشكل كاف للقيد نحو البورصة المصرية، وقلة الوعي الاستثماري للشركات.
وأوضح سيف الدين أن إيرادات شركات الكرة تعتمد على حقوق الرعاية، وحقوق البث، وإيراد الاستاد من حصيلة التذاكر، ومدرسة الكرة في كل ناد، وهو ما يتعارض مع قرارات اتحاد الكرة بإلغاء المرحلة السنية، حتى أصبح النادي غير مستفيد بشكل فعلي من أرباح “مدرسة الكرة” التي تمثل عنصرا أساسيًا في إيرادات النادي وتساهم إلى حد كبير نحو القيد في البورصة المصرية.
ولفت سيف الدين ، إلى أن مساهمات رجال الأعمال الخليجيين في الدوري المصري العام هي سبب رئيسي في تأخر الأندية الشعبية نحو القيد، فنفترض أن ناديي الأهلي والزمالك طرحا أسهما لهما في البورصة، ومن ناحية تحرك رجل الأعمال السعودي “تركي آل الشيخ” للاستحواذ على الشاشات والرعاية والإعلان، فسيؤدي ذلك إلى تراجع استقرار الناديين وكذلك باقي الأندية حال تنفيذ التجربة لأن قواعد قيد البورصة تمنع التدخلات الخارجية في قيد الشركة نحو ملكية الأسهم.