شارع البورصة

التمويل الاستهلاكي يختبر ضوابط الرقابة المالية لكبح «التسييل النقدي»

تسعى الهيئة العامة للرقابة المالية، إلى ضبط سوق التمويل الاستهلاكي عبر مواجهة ظاهرة «التسييل النقدي» التي ألقت بظلالها على النشاط الأساسي للقطاع خلال الشهور الماضية.

ورغم أن القرارات الأخيرة استهدفت حماية السوق ومنع انحراف التمويل عن غرضه الحقيقي، فإن فعاليتها لا تزال محل نقاش بين خبراء ومتابعين.

وأصدرت الهيئة قرارًا يلزم الشركات بإعداد قوائم حظر للعملاء والجهات المتورطة في التسييل النقدي، مع وقف التعامل معهم وإخطار شركات الاستعلام الائتماني بأسمائهم، فضلًا عن مشاركة البيانات مع الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي، كما شددت على ملاحقة الموظفين المتورطين في تلك الممارسات، وألزمت الشركات بالربط الإلكتروني لتبادل المعلومات بما يضمن سرعة اكتشاف التجاوزات.

قال محمد الفقي، الرئيس التنفيذي لشركة «سيمبل» للشراء الآن والدفع لاحقًا، إن ظاهرة التسييل النقدي كان لها تأثيرات سلبية متعددة على نشاط التمويل الاستهلاكي الأساسي، موضحًا أن أول هذه التأثيرات يتمثل في تقديم مؤشرات خاطئة عن أداء القطاع.

وأوضح أن معظم عمليات التسييل تركزت في منتجات الإلكترونيات والهواتف المحمولة والمجوهرات، وبالتالي حينما تصدر الشركات تقاريرها الدورية يظهر وكأن هذه القطاعات تمثل ما يقرب من 80% من مبيعات التمويل الاستهلاكي، بينما في الحقيقة نسبة معتبرة من هذه العمليات لا تعكس مبيعات حقيقية، وإنما معاملات تسييل للحصول على النقد، وهو ما يجعل الأرقام المعلنة مضللة ولا تعكس الواقع.

وارتفع إجمالي قيمة التمويل الاستهلاكي الممنوح خلال يوليو الماضي بنسبة 80.7% ليسجل 9.2 مليار جنيه، مقابل 5.12 مليار جنيه خلال يوليو من عام 2024.

ووفقًا لتقرير الهيئة، ارتفع عدد عملاء التمويل الاستهلاكي إلى أكثر من 1.05 مليون عميل خلال يوليو الماضي، مقارنة بنحو 357.3 ألف عميل خلال الفترة المناظرة من 2024، محققًا نموًا بنسبة 193.7%.

واستحوذت الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية على النصيب الأكبر من التمويل الاستهلاكي بنسبة 18.1%، تلاها تمويل الأجهزة الكهربائية والمنزلية بنسبة 18%.

وأضاف الفقي أن التأثير الثاني يتمثل في استغلال بعض الوسطاء أو ما يُعرف بـ«الكومسيونجية» لعدم إدراك العملاء، إذ يقنعونهم باستخدام حدود الشراء المتاحة لاقتناء أجهزة إلكترونية ثم إعادة بيعها بأسعار أقل في السوق بهدف الحصول على السيولة النقدية، على أن يقتطع الوسيط نسبة من المبلغ.

وأشار إلى أن هذه النسبة كانت في الماضي تقارب قيمة الضريبة المضافة (14%)، لكنها ارتفعت مؤخرًا إلى 25–30%.

وتابع: «العميل قد يحصل على 7 آلاف جنيه نقدًا مقابل مشتريات بقيمة 10 آلاف جنيه، لكنه يظل ملتزمًا بسداد كامل قيمة المشتريات لشركة التمويل، بالإضافة إلى الفوائد التي لا تقل عن 40–50%، ما يعني أن العميل دفع في النهاية 14 إلى 15 ألف جنيه مقابل حصوله على 7 آلاف فقط نقدًا».

وأشار إلى أن هذه المعاملات تؤدي في كثير من الحالات إلى توقف العملاء عن السداد لعدم قدرتهم على الوفاء بالالتزامات، مما يرفع معدلات التعثر لدى الشركات.

وفي حالات أخرى تعتبر الشركات هذه العمليات «احتيالية» وليست تعثرًا عاديًا، وهو ما يضر بجميع الأطراف، وهي الشركات التي تتكبد خسائر، والعملاء الذين يتعرضون لإجراءات قانونية قد تصل إلى المحاكم، والقطاع ككل بسبب تشويه الأرقام الرسمية.

ويرى الفقي أن الهيئة بدأت مؤخرًا اتخاذ إجراءات مهمة طالبت بها الشركات منذ فترة طويلة، من بينها إلزام الشركات بالإفصاح عن أي معاملات يُشتبه في كونها تسييلًا نقديًا، والإبلاغ عن التجار والوسطاء والموظفين والعملاء المتورطين.

أضاف أن الهيئة قادرة على إصدار قرارات تمنع الشركات من التعامل مع التجار الذين ترتفع لديهم نسب التسييل، ما قد يؤدي إلى إغلاق نشاطهم بالكامل، فضلًا عن بناء قاعدة بيانات مشتركة عن الوسطاء المعروف تورطهم في هذه الممارسات.

واعتبر الفقي أن هذه الإجراءات خطوة جيدة نحو تقليص الظاهرة، مؤكدًا أن دورها سيكون على المدى الطويل عبر تشديد الرقابة وزيادة الوعي، لكنه أشار في الوقت نفسه ، إلى أن تلك الضوابط لن تكون كافية للقضاء على الظاهرة بشكل كامل.

وتابع:” في الأسواق الناشئة عمومًا، دائمًا ما يجد بعض الأفراد طرقًا للتحايل على القوانين، لذلك لن نصل إلى مستوى خالٍ من المخاطر تمامًا، لكن المهم هو تقليصها والحد من الممارسات الفجة والواضحة”.

ويعني «التسييل النقدي» أن الشخص أو الجهة التي حصلت على تمويل استهلاكي لسداد ثمن سلعة أو خدمة تقوم بتحويل قيمة التمويل إلى نقد، بدلاً من استخدام التمويل لشراء السلعة مباشرة، وهو ما يُعد خرقًا أو استغلالًا للنظام، لأنه يجعل التمويل الاستهلاكي يتحول إلى قرض نقدي بحت، ما قد يُخل بالقوانين التي تنظم الغرض من التمويل. لذلك رأت الهيئة أن هذا السلوك قد يضر بالحقوق، ويؤدي إلى ممارسات احتيالية، ويفقد النظام المالي الاستقرار والعدالة.

عبدالنبي: انتشار الشركات دون ضوابط كان يهدد بتكوين فقاعة مالية

ويرى أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر» لتداول الأوراق المالية، أن تقنين أوضاع شركات التمويل الاستهلاكي، كان خطوة بالغة الأهمية في توقيت مناسب، خاصة مع التوسع الكبير في عدد هذه الشركات خلال الفترة الماضية، مضيفًا أن بعض هذه الكيانات لم تكن تتمتع بالملاءة المالية الكافية لممارسة النشاط بشكل آمن.

وأوضح أن انتشار هذه الشركات دون ضوابط كان يمكن أن يؤدي إلى تكوين فقاعة مالية، على غرار الأزمة العالمية في الولايات المتحدة التي ارتبطت بقطاع الرهن العقاري، مشيرًا إلى أن التمويل الاستهلاكي يعتمد على منح الائتمان للعملاء، ثم إجراء عمليات توريق للديون الناتجة، والتي تشتريها البنوك بعد ذلك، وهو ما كان يمكن أن يخلق مخاطر كبيرة على الشركات وعلى البنوك إذا لم يكن هناك تقنين واضح للأوضاع.

أضاف أن الهيئة العامة للرقابة المالية قامت بخطوة مهمة عبر تشديد اشتراطات الترخيص ووضع معايير أكثر صرامة، بما يعزز من استقرار السوق ويحد من المخاطر المحتملة، مؤكدًا أن وجود كيانات قوية ماليًا أكثر فاعلية من السماح بانتشار كيانات صغيرة وضعيفة.

وتابع عبدالنبي، أنه كلما اندمجت شركات التمويل الاستهلاكي وأصبحت كيانات أكبر، زادت قدرتها على منح الائتمان بشكل أكثر أمانًا، وارتفعت كفاءتها في تقديم عروض تسويقية وخدمات تمويلية تنافسية، وهو ما ينعكس إيجابًا على العملاء وعلى استقرار القطاع ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى