بعد خفض الفائدة.. البنوك تقلص ودائعها لدى “المركزي” وتتوسع في الإقراض

قلصت البنوك العاملة داخل القطاع المصرفي المصري، ودائعها لدى البنك المركزي خلال عطاءات السوق المفتوحة المربوطة بشكل مباشر بسعر الكوريدور عند 22.5%، بعد أن واصل “المركزي” خفض أسعار الفائدة بنهاية أغسطس الماضي بنحو 2% إضافية.
وكشفت بيانات اطلعت عليها “البورصة”، أن البنوك اكتفت بتقديم سيولة بقيمة 87.43 مليار جنيه خلال العمليات الرئيسية للبنك المركزي الثلاثاء الماضي، بعد أن كانت 343.95 مليار جنيه في عطاءات الأسبوع السابق، بتراجع ملحوظ نسبته 75%.
وقال خبراء مصرفيون إن مواصلة البنك المركزي تخفيض أسعار الفائدة، حد من شهية البنوك نحو عطاءات السوق المفتوحة، لصالح التوسع في الإقراض، سواء إن كان أفرادا أو شركات أو الحكومة في صورة أذون وسندات، خاصة مع استمرار ارتفاع العوائد عليها.
وقررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي، خفض أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس خلال اجتماع أغسطس الماضي، ليصل إجمالي الخفض إلى 525 نقطة أساس خلال 2025، وسط توقعات بمزيد من الخفض حتى نهاية العام.
وكان البنك المركزي قد أقر فى أبريل 2024، قبول جميع السيولة المعروضة من قبل البنوك بنسبة تخصيص 100%، بهدف تجفيف المعروض النقدى وسحب السيولة الفائصة لدى البنوك للسيطرة على التضخم الذى بلغ ذروته فى فبراير من العام نفسه عند 35.7%.
سليمان: التوسع في التمويلات أصبح خيارًا أكثر جاذبية
وأرجع أيمن سليمان، الخبير المصرفي، انكماش قيم السيولة المقدمة من البنوك في عمليات السوق المفتوحة إلى عدة عوامل أهمها خفض المركزي أسعار الفائدة.
وأضاف أن تغيير استراتيجيات البنوك يمثل عاملًا آخر، إذ تتجه البنوك مع خفض الفائدة إلى توجيه السيولة المتاحة لديها بصورة أكثر كفاءة، بدلًا من إيداعها في عمليات منخفضة العائد.
أشار سليمان، إلى أن التوسع في التمويلات أصبح خيارًا أكثر جاذبية في ظل انخفاض الفائدة، إذ يدفع ذلك إلى زيادة محفظة القروض الممنوحة للشركات والأفراد من أجل تحقيق أرباح أعلى.
وتابع أن الاستثمار في أدوات الدين الحكومي يظل من بين الخيارات المتاحة للبنوك، خاصة مع استمرار ارتفاع عوائدها.
ويتوقع سليمان استمرار تراجع قيم السيولة المقدمة للبنك المركزي خلال العملية الرئيسية حال استمراره في خفض أسعار الفائدة.
أبو الخير: تضاؤل فائض السيولة يُظهر انعكاسات إيجابية للسياسة النقدية
وقال أحمد أبو الخير الخبير المصرفي، إن التراجع يُظهر انعكاسات إيجابية للسياسة النقدية في مصر، موضحا أن تقلص حجم السيولة الفائضة لدى البنوك يؤكد أن البنوك تُحسن التوسع في الإقراض ما يُنعش عجلة الاقتصاد المحلي.
وأضاف أن تجفيف فائض السيولة يدعم تحجيم معدلات التضخم، وتمكينه من تحقيق المستهدف لدى البنك المركزي.
ويستهدف البنك المركزي المصري تراجع التضخم تدريجياً ليصل إلى 7% بزيادة أو أقل 2% بنهاية الربع الأخير من 2026.
وتراجع معدل التضخم العام في مدن مصر إلى 12% خلال أغسطس الماضي، على أساس سنوي، مقابل 13.9% في يوليو السابق، بحسب بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أشار أبو الخير، إلى أن العوامل التي دفعت البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة يأتي على رأسها استقرار سعر الصرف وتراجع معدلات التضخم.
وذكر أن قرار البنك المركزي بخفض 2% إضافية، شجع البنوك على إعادة توجيه سيولتها نحو التوسع في التمويلات والاستثمارات بدلاً من الاحتفاظ بها لدى البنك المركزي بفوائد منخفضة نسبيًا، مما يدعم نمو القطاع الخاص ويقلل من نسبة القروض غير المنتظمة.
كما يتوقع أن تزيد البنوك من استثماراتها في أدوات الدين الحكومية، خاصة السندات الحكومية، للحفاظ على هوامش الربحية، ما يُنذر باستمرار تراجع حجم السيولة المعروضة خلال الأسابيع المقبلة.
النعماني: التراجع ملحوظ.. لكنه قد يصبح مؤقتا
ويرى أحمد النعماني الخبير المصرفي، أن التراجع الملحوظ في سحب السيولة قد يكون بشكل مؤقت، على أن تستأنف البنوك توظيف فوائض سيولتها لدى البنك المركزي بعد أسابيع.
وأوضح أن البنوك وجهت سيولتها إلى التوسع في منح الائتمان والتمويلات، فيما فضّلت بنوك أخرى الاستثمار في أدوات الدين الحكومية.
وجيه: البنوك تُفاضل بين التوسع في الإقراض والاستثمار في أدوات الدين
وقالت شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية، إن هذا الانخفاض الحاد يعتبر انعكاسًا لحركة مؤقتة مرتبطة بعوامل موسمية وسلوكية داخل الجهاز المصرفي.
وتابعت: “جزء من معدلات السيولة المرتفعة السابقة كانت مرتبطة بعمليات استثنائية للبنوك لإعادة توازن محافظها الاستثمارية أو الاستعداد لتغطية التزامات معينة وعودة السيولة للسوق بشكل مفاجئ”.
وذكرت أن خفض معدلات الفائدة دفع البنوك إلى إعادة النظر في توجيه السيولة، إذ أصبحت العوائد أقل جاذبية و زاد التوجه للتوسع في التمويلات خاصة فيما يخص قروض الشركات ذات الملاءة والتركيز على القطاعات الأكثر استفادة من خفض أسعار الفائدة.
أكدت وجيه، أن الاستثمار في أدوات الدين الحكومي مازال قائمًا، ما قد يدفع البنوك للمفاضلة بين أدوات التمويل المباشر أو أدوات الدين.
وتوقعت وجيه استمرار انخفاض مستويات سحب السيولة في الأسابيع القليلة المقبلة تماشيًا مع التوجهات للاستفادة من خفض الفائدة في الإقراض والأنشطة التمويلية على المدى القصير.
أما في الأجل المتوسط ، فتتوقع وجود تذبذبات صعودًا وهبوطًا حسب احتياجات البنوك اليومية والسياسات الحكومية في ضخ أو سحب السيولة.