هل تدفع انفراجة «غزة» شهية المستثمرين الأجانب نحو السوق المصري؟

مع إعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) موافقتها رسميًا على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تزداد التوقعات بانفراجة سياسية وشيكة قد تضع حدًا لأحد أكثر الملفات توترًا في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضحت الحركة في بيانها، أنها أجرت مشاورات واسعة للوصول إلى موقف وطني مسئول يضمن وقف الحرب والانسحاب الكامل، معلنة استعدادها للإفراج عن الأسرى وتسليم إدارة القطاع إلى هيئة فلسطينية من المستقلين بتوافق وطني وبمساندة عربية وإسلامية، بما يمهّد الطريق أمام مرحلة تهدئة شاملة وإعادة إعمار غزة.
ويترقب المستثمرون نتائج هذه التطورات السياسية، إذ من المقرر أن تستضيف مدينة العريش خلال الأيام المقبلة محادثات رفيعة المستوى بين وفود أمريكية وإسرائيلية برعاية مصرية، وسط آمال بالتوصل إلى اتفاق شامل يعيد الهدوء إلى المنطقة.
ويرى محللون ومستثمرون، أن نجاح تلك المفاوضات سيمثل نقطة تحول في المزيج الاستثماري الإقليمي، ويعيد رسم خريطة التدفقات المالية نحو الأسواق الأكثر استقرارًا، وعلى رأسها السوق المصري، التي لطالما كانت المستفيد الأول من فترات التهدئة السياسية.
فهدوء الأوضاع الإقليمية من شأنه أن يُنعش شهية رؤوس الأموال الباحثة عن ملاذات آمنة، ويُعيد الثقة تدريجيًا إلى البورصة المصرية، التي بدأت تتعاطى مع إشارات التعافي مبكرًا بدعم من انحسار المخاطر الجيوسياسية وتزايد التفاؤل بمرحلة استقرار جديدة.
عبدالنبي: البورصة المصرية تتفاعل سريعًا مع التطورات الجيوسياسية
قال أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر لتداول الأوراق المالية»، إن البورصة المصرية تُعد مؤشرًا سريعًا وحساسًا تجاه التطورات السياسية والإقليمية، إذ تنعكس تلك المتغييرات فورًا على أسعار الأسهم.
وأوضح أن أي توترات جيوسياسية تؤدى إلى ارتفاع ما يُعرف بـ«مخاطر الدولة» (Country Risk)، ما يترتب عليه زيادة معدلات الخصم المستخدمة في تقييم الشركات، فتتراجع قيمتها السوقية حتى وإن كانت مؤشراتها قوية.
وأضاف أن انخفاض مستويات المخاطر السياسية فى فترات الهدوء يؤدى إلى تحسن قيم الأسهم، متوقعًا تحسن أداء المؤشرات خلال الفترة المقبلة مع تراجع التوترات الإقليمية وتزامنها مع خفض أسعار الفائدة محليًا.
أكد عبدالنبي، أن الهدوء الإقليمي يمثل شرطًا ضروريًا لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، لكنه غير كافٍ بمفرده، مشددًا على ضرورة استمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتحسين مناخ الأعمال وتبسيط إجراءات دخول وخروج الاستثمارات لضمان استدامة التدفقات.
قال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، إن البورصة المصرية دائمًا ما تكون أول من يلتقط إشارات التفاؤل، إذ ينعكس أي استقرار سياسي أو تهدئة إقليمية فورًا على سلوك المستثمرين، موضحًا أن رأس المال بطبعه لا يحب القلق.
وأشار إلى أن السوق المحلي شهد هذه الظاهرة أكثر من مرة، وكان آخرها خلال موجات التهدئة في الربع الثاني من عام 2025، حيث شهد المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية EGX30 ارتفاعاً ملحوظاً، بالتوازي مع زيادة أحجام التداول اليومية.
وأضاف أن هذه التحركات لا تعكس مجرد أرقام، وإنما تحمل رسالة واضحة بعودة الثقة، سواء من جانب المستثمر المحلي أو الأجنبي، إذ ينظر كلاهما إلى السوق المصري باعتباره فرصة حقيقية في أوقات الاستقرار.
وأكد نجلة، أن البورصة تعكس لغة الثقة قبل أي قطاع آخر، وعادة ما تكون تحركاتها الإيجابية مؤشرًا على أن الاقتصاد يتجه نحو مسار أفضل.
مسعود: الاستقرار الإقليمي يدعم جذب رؤوس الأموال الأجنبية
قال محمد فاروق مسعود، العضو المنتدب لشركة «جلوبال إنفست» لتداول الأوراق المالية، إن البورصة تسبق الأحداث السياسية والاقتصادية دائمًا، فغالبًا ما تعكس التوترات بانخفاضات حادة ثم ترتد سريعًا مع أول بوادر الانفراج.
وأوضح أن سيطرة الأفراد على التداولات تجعل ردود الأفعال أكثر حدة، سواء في الصعود أو الهبوط، لكن أي تحسن في الأوضاع السياسية والاقتصادية، إلى جانب برنامج الطروحات الحكومية والخاصة، كفيل بدفع السوق إلى مرحلة جديدة من النمو.
وأشار إلى أن مصر مرشحة للاستفادة الكبرى من أي تسويات إقليمية، كونها لم تدخل في أي صراعات مباشرة، ما يجعلها وجهة آمنة لرؤوس الأموال الأجنبية والعربية خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف أن اتساع قاعدة السوق يتطلب الإسراع في تنفيذ برنامج الطروحات، معتبرًا أن الطروحات الجديدة هي المحرك الرئيس لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعميق السوق، الذي لايزال محدودًا، مقارنة بحجم الاقتصاد وعدد السكان.
عارف: التهدئة تفتح الطريق لعودة الاستثمارات القلقة والمتحفظة لمصر
قال سمير عارف، رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، إن الأوضاع السياسية والأمنية فى المنطقة بدأت تشهد استقرارًا نسبيًا، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا لتحسن بيئة الاستثمار فى مصر.
وأوضح أن رؤوس الأموال الأجنبية كانت فى حالة ترقب خلال الفترات الماضية بسبب تصاعد التوترات، لكن التحركات الإقليمية نحو التهدئة وبدء الحديث عن الإعمار أعادت فتح قنوات التواصل مع مستثمرين محتملين.
وأضاف أن مصر مرشحة بقوة لتكون مركزًا صناعيًا ولوجستيًا لمرحلة إعادة الإعمار، خاصة فى ملفات غزة وليبيا، نظرًا لقربها الجغرافي وامتلاكها قاعدة صناعية قادرة على تلبية متطلبات تلك المرحلة.
وأشار إلى أن قطاعات مواد البناء والصناعات الهندسية والكيماويات والمستلزمات الطبية ستكون الأكثر طلبًا فى الفترة المقبلة.
قال أيمن العشرى، رئيس غرفة القاهرة التجارية، إن بدء الحديث عن السلام فى المنطقة، وإتمام الاتفاق لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، سيدعمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، ويحفزان دخول استثمارات جديدة إلى مصر خلال الفترة المقبلة.
وأضاف «العشرى» لـ«البورصة»، أن استقرار الأوضاع الإقليمية سيجذب شريحة واسعة من المستثمرين، ويفتح الباب أمام تدفق استثمارات ضخمة تُقدر بمليارات الدولارات إلى السوق المصرية، خاصة بعد تحسن مناخ الاستثمار وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التى شجعت على دخول استثمارات صينية وتركية وغيرها خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن السوق المصري من الأسواق الواعدة، وتُعد الأقل تكلفة فى التصنيع، مقارنة بالعديد من الدول، إلى جانب توافر الأيدى العاملة والخامات اللازمة، فضلاً عن تحسن توافر السيولة الدولارية لاستيراد مدخلات الإنتاج.
وفى سياق متصل، قال «العشرى» – الذى يرأس مجموعة العشرى للحديد والصلب – إن خفض أسعار الفائدة بمقدار 1%، والتوقعات بخفض آخر قبل نهاية العام، سيحفزان الشركات على تنفيذ توسعات جديدة، كما يسهمان فى خفض تكلفة الإنتاج بما ينعكس إيجاباً على أسعار السلع، خاصة مع تراجع الدولار أمام الجنيه.
من جانبه، قال مصطفى المكاوى، عضو شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن بدء المفاوضات لإنهاء الحرب من شأنه تقليص تكاليف الشحن والتأمين، وهو ما سيدعم تراجع أسعار السلع خلال الفترة المقبلة.
وأضاف «المكاوى» أن هناك عدداً كبيراً من المستثمرين الأجانب يترقبون هدوء الأوضاع فى المنطقة للدخول بقوة إلى السوق المصرية، باعتبارها من الأسواق المرتبطة بشبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة التى تضم أكثر من 3 مليارات مستهلك، وتشمل العديد من التكتلات الأوروبية والإفريقية والعربية.
فوزى: الاختبار الحقيقى للاستثمارات يبدأ بعد زوال التوترات الإقليمية
قال فتح الله فوزى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين اللبنانيين، إن مصر تستفيد حاليًا من ميزة تنافسية مؤقتة بفضل استقرارها وسط منطقة مضطربة، لكن الاختبار الحقيقى سيبدأ بعد انتهاء التوترات.
وأضاف لـ«البورصة»، أن مصر تُعد اليوم إحدى أكثر الدول أمانًا فى المنطقة، ما يجذب الاستثمارات الباحثة عن الاستقرار، لكن عند عودة الهدوء إلى دول الجوار «ستبدأ المنافسة الحقيقية على كل دولار استثمارى».
فتحى: عودة 40% من أسطول MSC خلال شهرين حال انتهاء الأزمة
قال إيهاب فتحي، مدير فرع الخط الملاحي الإيطالي MSC بمدن القناة، إن الخط الملاحي ينتظر نهاية الصراع بشكل رسمي، وهو ما سيؤدي إلى عودة 40% من أسطول الشركة إلى منطقة البحر الأحمر خلال شهرين أو أقل.
أضاف فتحي لـ”البورصة”، أن الخط الملاحي يترقب المسودة النهائية لخطة ترامب، إلى جانب الاتفاقيات الجادة للخروج من التوترات الجيوسياسية القائمة بين أطراف الصراع الدولي، بشأن ما يحدث في غزة، وما تبعها من استهدافات للسفن التجارية في منطقة البحر الأحمر.
وأوضح أن الخط يستعد حاليًا لتعديل الجدول الزمني للرحلات، وتعديل عقود التوريد، وفقًا للآليات الجديدة التي ستنتج عن تهدئة الأوضاع واستقرار المنطقة، خاصة مع التوقعات بانخفاض أسعار نوالين الشحن بنحو 50% خلال الربع الأول من العام المقبل.
وأشار إلى أن MSC تستهدف خفض أسعارها تزامنًا مع انخفاض أسعار التأمين على السفن، خاصة أن رسوم التأمين تعد عبئًا كبيرًا على الخطوط الملاحية، مؤكدًا أنه في حال تخفيف تلك الرسوم أو رفعها، سيتم إعفاء العملاء منها أيضًا.
ومن المتوقع انخفاض رسوم التأمين على السفن بنسبة تصل إلى 25% خلال الربع الأول من 2026 وفقا لـ”فتحي”
“إيفرجرين”: استئناف الرحلات البحرية الشهر الجاري بعد استقرار الأوضاع
وفي سياق متصل، قال مصدر بالخط الملاحي التايواني “إيفرجرين” لـ”البورصة”، إن الخط سيستأنف الرحلات البحرية خلال النصف الثاني من الشهر الجاري، بعد الترتيبات المعلنة من جانب أطراف الأزمة.
وأشار المصدر إلى أن الأزمة الجيوسياسية أثرت بشكل مباشر على الرحلات اليومية، مما ساهم في تراجع حجم العمليات بنسبة 35% منذ اندلاع الأزمة.
وأضاف أن الشركة ستعدل الجدول الزمني للرحلات، تمهيدًا للعودة إلى منطقة البحر الأحمر دون تخوفات أو اضطرابات من استهدافات محتملة للسفن التجارية، مشيرًا إلى أن الاتفاقيات الجديدة ستؤدي إلى انخفاض أسعار الشحن بنسبة لا تقل عن 40% بنهاية العام الجاري، وبنحو 65% خلال الربع الأول من عام 2026.
اللمعي: الاستقرار الإقليمي يرفع إيرادات قناة السويس إلى 10 مليارات دولار
من جانبه، قال عادل اللمعي، رئيس غرفة ملاحة بورسعيد، إن الأوضاع الحالية تشير إلى بوادر عودة القطاع الملاحي إلى مستوياته ما قبل الأزمة، وهو ما سيمهد الطريق لعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبدء تدفق رؤوس الأموال مجددًا، بعد فترة من التخوف وعدم اليقين التي سادت بين المستثمرين.
وأضاف أن انتهاء الأزمة سيساهم في عودة الخطوط الملاحية لعبور قناة السويس، وهو ما سيدفع بإيرادات القناة للقفز إلى 10 مليارات دولار بنهاية العام المقبل، في ظل الاستقرار الكامل للأوضاع بالمنطقة.
لقمة: قطاع العقارات “سلعة رابحة” في نظر مستثمري الخليج
قال محمد لقمة، رئيس مجلس إدارة شركة «ديتيلز للمقاولات والإنشاءات»، إن حالة الاستقرار السياسي انعكست بشكل مباشر على أداء الاقتصاد الوطني، موضحًا أن التهدئة السياسية والأمنية تمثل عاملًا أساسيًا في تعزيز ثقة المستثمرين بالسوق المصرية.
وأشار لقمة إلى أن مصر نجحت خلال الفترة الأخيرة في جذب استثمارات قوية، كان أبرزها صفقة رأس الحكمة، إلى جانب صفقات كبرى مع كل من قطر والسعودية، ما يعكس إقبال المستثمرين الخليجيين على السوق المصري، خاصة في قطاع العقارات الذي يعد «سلعة رابحة» في نظر مستثمري الخليج.
وأضاف أن تلك الاستثمارات انعكست بصورة إيجابية على حركة الاقتصاد المحلي، وأسهمت في تحسن سعر صرف الجنيه، متوقعًا أن يتحول الجنيه في المستقبل إلى ملاذ آمن للمستثمرين بدلًا من الدولار، مع استمرار تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.
ولفت إلى أن الاستثمارات الأوروبية تختلف في توجهها، إذ تتركز بالأساس في قطاعي الصناعة والتكنولوجيا، لاسيما في مشروعات مراكز خدمة العملاء، التي تشهد توسعًا متزايدًا خلال الفترة الحالية.