شارع البورصة

هل تنجح الشركات المدرجة فى ربط الأجور بالإنتاجية لكبح تضخم التكاليف؟

استقرار أسعار الطاقة ساهم دفع الصناعات الثقيلة لامتصاص زيادات الأجور

في ظل التراجع النسبي لمعدلات التضخم خلال النصف الأول من عام 2025، تواجه الشركات المدرجة في البورصة المصرية تحديًا متزايدًا يتمثل في موازنة كلفة الأجور مع الحفاظ على الربحية.

وبينما تتصاعد الضغوط التشغيلية، بدأت العديد من الكيانات ربط زيادات الرواتب بمعدلات الإنتاجية، كوسيلة للحد من أثر التضخم على التكاليف دون التأثير على الكفاءات.

وأظهر مسح أجرته «البورصة» على نتائج أعمال 10 شركات مدرجة بالبورصة المصرية أن بند المصروفات الإدارية والأجور شهد زيادات متفاوتة خلال النصف الأول من 2025، حيث ارتفعت في بعض الشركات بأكثر من 40%، بينما حافظت أخرى على زيادات هامشية لا تتجاوز 1%.

وقال متعاملون فى السوق لـ “البورصة”، إن الفترة المقبلة ستشهد تركيزًا أكبر من الشركات على تحقيق كفاءة التكلفة بدلاً من خفض النفقات، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والتحول الرقمي لتقليل الاعتماد على العمالة التقليدية، دون الإخلال باستقرار فرق العمل الأساسية.

فعلى سبيل المثال، قفزت المصروفات الإدارية في شركة إعمار مصر كنسبة من التكاليف إلى 30.86% مقارنة بـ19.57% في الفترة المماثلة من العام الماضي، رغم ارتفاع الإيرادات من 5.6 مليار إلى 9.3 مليار جنيه، ما يعكس نموًا في النشاط، لكنه صاحبه تضخم في المصروفات التشغيلية.

وفي المقابل، شهدت الإسكندرية للزيوت المعدنية زيادة محدودة نسبيًا في بند المصروفات الإدارية من 2.19% إلى 2.50%، مع نمو الإيرادات من 35.1 إلى 37.6 مليار جنيه، وهو ما يدل على قدرة القطاع الصناعي على امتصاص أثر الأجور، مقارنة بالقطاعات الخدمية.

وواصل التضخم في مصر تراجعه للشهر الثالث على التوالي في أغسطس، إلى 12% مقابل 13.9% في يوليو، بفضل تراجع أسعار بعض مجموعات الأغذية، ليسجل أدنى مستوى فيما يزيد عن ثلاث سنوات، معززاً بذلك توقعات حكومية بانحسار ارتفاع الأسعار.

وقدّر البنك المركزي المصري استمرار تراجع التضخم إلى نطاق 12% و13% بالربع الثالث من العام، كما يستهدف البنك المركزي بلوغ متوسط معدل التضخم نطاق 5% إلى 9% في الربع الرابع من 2026، و3% إلى 7% في الربع الرابع من 2028.

شفيع: بعض الشركات رفعت الرواتب أعلى من التضخم للحفاظ على الكفاءات

وقال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، إن زيادات الأجور التي طبقتها الشركات خلال العام الأخير لم تتوافق بشكل كامل مع معدلات التضخم، موضحًا أن بعض الشركات رفعت الأجور بنسب أعلى من التضخم لتحفيز العمالة والحفاظ على الكفاءات، فيما اكتفت أخرى بزيادات محدودة لتجنب تآكل الربحية.

وأضاف شفيع أن الأثر الأكبر يظهر في الأجور المدرجة ضمن المصروفات الإدارية، إذ تمثل عبئًا مباشرًا على الأرباح لعدم ارتباطها بالإنتاج أو المبيعات، على عكس الأجور التشغيلية التي يمكن تعويضها من خلال زيادة الإيرادات.

وأشار إلى أن طبيعة كل قطاع تحدد مدى قدرته على تمرير زيادات الأجور إلى المستهلك النهائي، موضحًا أن القطاعات كثيفة العمالة مثل التجزئة والصناعات الغذائية تواجه تحديات أكبر مقارنة بالشركات المالية أو العقارية التي تعتمد أكثر على رأس المال والأصول.

ووفقًا للمسح الذي أجرته «البورصة»، تبين أن بعض الشركات تمكنت من الحفاظ على معدل كفاءة مرتفع رغم زيادة الأجور، بفضل نمو الإيرادات بوتيرة أسرع من المصروفات.

ففي المتوسط، ارتفعت المصروفات الإدارية كنسبة من الإيرادات بين 1.3% و1.6% خلال النصف الأول من 2025، مقابل 0.9% إلى 1.5% في نفس الفترة من العام الماضي.

وفي المقابل، نمت الإيرادات في الشركات المدرجة محل المسح بمعدل يتراوح بين 15% و40% خلال نفس الفترة، ما ساعد على امتصاص جزء من ارتفاع التكلفة التشغيلية.

وأظهرت بيانات المسح أن بعض الشركات ذات الطبيعة الصناعية الثقيلة، مثل قطاع البتروكيماويات والزيوت المعدنية، استفادت من استقرار أسعار الطاقة وارتفاع الطلب الخارجي، ما حدّ من أثر ارتفاع الأجور.

لكن على العكس، عانت الشركات الخدمية من زيادة مصروفات التسويق والإدارة دون تحقيق نمو موازٍ في الإيرادات، ما أثر على هامش الربحية الإجمالي.

متولي: زيادة الأجور قلّصت هوامش الربح في العديد من القطاعات

من جانبه، قال علي متولي، محلل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإحدى شركات الاستشارات في لندن، إن أغلب الشركات في مصر رفعت الأجور خلال العام الماضي بنسب تراوحت بين 20 و30%، متجاوزة متوسط معدلات التضخم التي سجلت نحو 12 إلى 15% خلال الفترة نفسها.

وأوضح متولي أن الأثر المزدوج للتضخم وارتفاع الأجور انعكس على تكاليف التشغيل وأدى إلى تقلص هوامش الربحية في كثير من القطاعات، لافتًا إلى أن الشركات التي لم تحقق نموًا في الإيرادات واجهت صعوبات في الحفاظ على مستويات الربحية السابقة.

وأشار إلى أن القطاعات العقارية والخدمية كانت الأكثر تأثرًا، بينما أظهرت الشركات الصناعية مرونة أكبر بفضل قدرتها على تمرير جزء من التكلفة إلى أسعار البيع النهائية أو زيادة الصادرات لتعويض الضغط الداخلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى