أسواق

هل تقترب مصر من امتلاك “هوية صناعية” واضحة؟

تقترب مصر شيئًا فشيئًا من رسم ملامح هوية صناعية واضحة، بعدما فرضت بعض القطاعات نفسها كقاطرة قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا، وفي مقدمتها الصناعات الغذائية ومواد البناء.

لم يعد الأمر مجرد أرقام في ميزان الصادرات أو بيانات حكومية، بل تحول إلى مؤشرات ملموسة على أرض الواقع، تعكس قدرة هذه القطاعات على أن تكون “العنوان” الأبرز للمنتج المصري في الخارج.

وحسبما قال مستثمرون ومصدرون لـ “البورصة”، فإنه رغم التحديات الهيكلية التي لاتزال تواجه الصناعة المصرية – من ارتفاع تكلفة التمويل والطاقة، إلى البيروقراطية في بعض الإجراءات – إلا أن ما تحقق في هذه القطاعات يعكس حقيقة يصعب تجاهلها: هناك هوية صناعية في طور التشكل، ترتكز على قطاعات محددة قادرة على حمل اسم “صُنع في مصر” بثقة في الأسواق الخارجية.

وأضافوا أن هذا الحضور لم يُصنع بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تراكم طويل من الخبرات، واستثمارات محلية وأجنبية، ودعم حكومي بدأ يؤتي ثماره.

الجزايرلي: “الصناعات الغذائية” جوهر الهوية بصادرات 11 مليار دولار سنويا

قال أشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، إن قطاع الصناعات الغذائية يعد أحد أكثر القطاعات قدرة على تشكيل هوية مصر الصناعية، باعتباره الامتداد الطبيعي للقاعدة الزراعية التى تميز مصر تاريخيا.

وأضاف أن الأساس الذى تقوم عليه مصر هو الزراعة والصناعات الغذائية، فهما العمود الفقري للاقتصاد القومي، لافتا إلى أن القطاع لا يقتصر دوره على تلبية احتياجات السوق المحلي، بل يمثل ركيزة رئيسية فى تعزيز الصادرات المصرية.

أوضح الجزايرلي، أن مساهمة القطاع فى الصادرات المصرية تبلغ نحو 11 مليار دولار سنويا، وهو ما يجعله جوهر الهوية الصناعية لمصر.

واكد أن الصناعات الغذائية لديها القدرة على التوسع فى الأسواق الإقليمية والدولية، نظرا لاعتمادها بدرجة كبيرة على الخامات الزراعية المحلية، فضلا عن تمتعها بجودة قادرة على المنافسة فى مختلف الأسواق.

وتابع: “دعم هذا القطاع وتذليل التحديات أمامه، سواء على مستوى التمويل أو البنية التحتية أو فتح أسواق تصديرية جديدة، يمثل خطوة أساسية لترسيخ مكانة مصر كقاعدة إقليمية للإنتاج والتصدير، وترجمة الهوية الزراعية التاريخية إلى هوية صناعية حديثة قادرة على الاستدامة والنمو”.

الضوي: مصر تستحوذ على ربع التجارة العالمية لمنتجات دهون التجميد

وقال تميم الضوي المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الغذائية، إن مصر نجحت خلال السنوات الماضية فى أن تكون ضمن أكبر 10 دول تصديرا لـ 15 منتجا غذائيا، منها المجففات، والتوابل، والمكسرات، فضلا عن منتجات مبتكرة حازت قبولا واسعا فى الأسواق العالمية مثل الخبز البلدي الذى تحول إلى «ترند» فى الولايات المتحدة.

أضاف أن مصر تستحوذ على نحو ربع حجم التجارة العالمية فى منتجات دهون التجميد، وهو ما يعكس قوة الصناعة المحلية وتنوعها، لافتا إلى أن أهم ما يميز قطاع الصناعات الغذائية فى مصر هو اعتماده شبه الكامل على الخامات المحلية، إذ تمثل المنتجات المحلية بين 80 -90% من المعروض فى السوق المصري، مقارنة بقطاعات صناعية أخرى تعتمد بدرجة أكبر على الاستيراد.

أشار الضوي، إلى أن الصادرات الغذائية المصرية شهدت خلال عام 2024 نموا كبيرا فى الأسواق العالمية، لافتا إلى أن السوق الأمريكية على سبيل المثال سجلت زيادة تقارب 50% فى وارداتها من المنتجات الغذائية المصرية خلال العام الماضي، وهو ما يعكس الطلب المتزايد على المنتج المصري وقدرته على المنافسة فى أسواق شديدة الحساسية ومعاييرها صارمة.

وأوضح أن القطاع لا يكتفي بتغطية احتياجات أكثر من 120 مليون مستهلك داخل مصر، بل يواصل توسيع حصته فى الأسواق الدولية، مستندا إلى البنية التحتية المتطورة التى وفرتها الدولة، سواء عبر مشروعات الطرق وشبكات الألياف الضوئية، أو من خلال استصلاح مساحات جديدة من الأراضى الزراعية التى لم يتم استغلالها من قبل.

وتابع: “هذه التطورات أسهمت فى زيادة الطاقات الإنتاجية للشركات، وتوفير كميات أكبر للتصدير دون التأثير على احتياجات السوق المحلي”.

أكد الضوي، أن الصناعات الغذائية تعكس بشكل واضح ملامح هوية صناعية وطنية، فهى صناعة متجذرة فى الثقافة المصرية، معتمدة على موارد طبيعية محلية، ومرتبطة بالأسواق العالمية من خلال جودة منتجاتها وتنوعها.

ولفت إلى أن استمرار دعم الدولة لهذا القطاع، من خلال منظومات سلامة الغذاء وتحسين بيئة الاستثمار، يعزز من قدرته على قيادة الصناعات المصرية نحو مكانة أكبر على خريطة التجارة الدولية.

منير: لدينا ميزة نسبية قوية فى الفاكهة تتيح التوسع في العصائر والمربات 

وقال ياسر منير مدير المبيعات بشركة هيرو للصناعات الغذائية، إن قطاع الصناعات الغذائية يعد الأقرب ليمثل الهوية الصناعية لمصر خلال المرحلة المقبلة، باعتباره الأكثر ارتباطا بالموارد الزراعية المحلية، والأوسع انتشارا فى الأسواق الخارجية.

وأضاف لـ «البورصة»، أن القطاع يمتلك فرصا واعدة، خاصة في مجال العصائر والمربات، إذ تتمتع مصر بميزة نسبية قوية فى الفاكهة عالية الجودة، ما يفتح الباب أمام التوسع فى التصدير لأسواق إقليمية ودولية كبرى في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.

و”هيرو” على سبيل المثال تُصدر منتجاتها لأسواق أوروبية وأمريكية، وهو ما يؤكد قدرة المنتج المصري على المنافسة العالمية إذا توافرت له بيئة إنتاجية متطورة ودعم لوجستي مناسب.

وأوضح أن الصناعات الغذائية قادرة على مضاعفة مساهمتها في الصادرات المصرية خلال سنوات قليلة، في ظل الطلب العالمي المتزايد على المنتجات الصحية والطبيعية، وهو ما يمنح الشركات المحلية فرصة لتوسيع حصتها في الأسواق.

وقد شهدت صادرات الصناعات الغذائية خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي ارتفاعا بنسبة 8% لتسجل 4.03 مليار دولار، مقابل 3.74 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي بزيادة قدرها 291 مليون دولار، حسب بيان صادر عن المجلس التصديرى للقطاع.

جمال الدين: توافر الأسمنت والأحجار الكريمة يمنح “مواد البناء” ميزة تنافسية حقيقية

وقال وليد جمال الدين رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء والصناعات المعدنية، إن قطاع مواد البناء يعد إحدى الركائز الأساسية فى تشكيل الهوية الصناعية لمصر، نظرا لاعتماده الكبير على الخامات المحلية مثل الأسمنت والرخام والأحجار الكريمة، وهو ما يمنحه ميزة تنافسية حقيقية فى الأسواق العالمية.

وأضاف أن الشركات العاملة بالقطاع ركزت على تحسين جودة المنتجات وتلبية متطلبات الأسواق الخارجية .. الأمر الذى عزز تنافسية المنتج المصري ومكانته بين الأسواق العالمية.

ولفت جمال الدين، إلى أن هناك خططا مستقبلية لتعزيز البنية التحتية للصناعات المعدنية ومواد البناء بما يسهم فى زيادة الإنتاجية وتحسين كفاءة العمليات، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على دعم الهوية الصناعية لمصر وزيادة حصتها من الصادرات ذات القيمة المضافة.

وأوضح أن القطاعات التى تعتمد على الخامات المحلية بنسبة أكبر، مثل الأسمنت والرخام والأحجار الكريمة، هى الأكثر قدرة على ترسيخ هوية صناعية مصرية متميزة، لافتاً إلى أن صادرات قطاع الأحجار الكريمة وحدها سجلت أداء قويا بإجمالى 3.936 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، بما يعكس مكانة هذا القطاع كمحرك رئيس للصادرات المصرية عالية القيمة.

السلاب: نسبة القيمة المضافة المحلية فى السيراميك أصبحت تتجاوز 90% 

وقال حسام السلاب رئيس شعبة السيراميك بغرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، إن السيراميك يعد من أبرز القطاعات الصناعية التى تعكس هوية الصناعة المصرية، موضحا أن ما يميز هذا القطاع هو ارتفاع نسبة القيمة المضافة المحلية فى المنتج، حيث تجاوزت 90% بعدما كانت لا تتعدى 50% قبل نحو 10 سنوات.

وأضاف أن هذا التطور أسهم فى جذب استثمارات أجنبية جديدة للقطاع، فضلا عن تعزيز قدرته التنافسية عالميا، إذ يستحوذ المنتج المصري على حصة تصل إلى 80% فى بعض الأسواق العالمية، ويعرف بجودته العالية وأسعاره التنافسية.

أكد السلاب، أن القطاع تمكن من مواكبة التطورات العالمية من خلال استخدام أحدث التكنولوجيات المطبقة فى كبرى الشركات العالمية، بما عزز مكانته على خريطة صناعة السيراميك عالميًا.

المنزلاوي: المرحلة المقبلة تتطلب اختيار “ماركة مصرية مسجلة عالميا” 

وقال مجد الدين المنزلاوي رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن تحقيق هوية صناعية لمصر يستلزم أن تكون الدولة متميزة فى صناعة أو منتج محدد لا تستطيع الدول الأخرى إنتاجه بالجودة والكفاءة نفسها، وهو ما يمنحه ميزة تنافسية حقيقية ويجعل مصر معروفة عالميا بهذا المنتج.

أضاف أن مفهوم الهوية الصناعية لا يتوقف فقط عند التصنيع المحلي، بل يمتد ليصبح بمثابة بصمة لمصر فى الأسواق الدولية، بحيث ترتبط منتجات بعينها باسم الدولة، الأمر الذى يعزز من مكانتها التصديرية ويتيح لها فرصا أوسع لاختراق الأسواق الخارجية.

واستشهد المنزلاوي، بقطاع الصناعات الغذائية الذي باتت مصر تصدر فيه منتجات تحظى بإقبال واسع من الأسواق الدولية، وتحتل من خلالها موقعا متقدما بين كبار المصدرين عالميا.

ولفت إلى أن امتلاك مصر لهوية صناعية واضحة، من شأنه أن يدعم قدرة الشركات المحلية على رفع تنافسيتها العالمية، حيث يدرك المستوردون والمستهلكون فى الخارج أن مصر هى الدولة القادرة على تقديم هذا المنتج بجودة عالية وبأسعار منافسة، وبما يسهم فى زيادة الصادرات ورفع معدلات النمو الصناعى.

أكد المنزلاوي، أن المرحلة المقبلة تتطلب توجيه الجهود نحو اختيار القطاعات والمنتجات التى يمكن أن تصبح “ماركة” مصرية مسجلة عالميا، مع دعم الابتكار والتكنولوجيا الحديثة فى التصنيع، بما يضمن لمصر موقعا متميزا على خريطة الصناعة الدولية.

السقطي: التميز الصناعي يتحقق عندما يقترن الإنتاج بالقدرة على المنافسة العالمية 

وقال علاء السقطي رئيس اتحاد مستثمري المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إن الحديث عن هوية صناعية لمصر لن يتحقق إلا من خلال اختيار قطاع صناعي محدد يتمتع بميزات نسبية، والعمل على دعمه بشكل مستدام بحوافز وتسهيلات تمكنه من المنافسة إقليميا ودوليا.

وأضاف أن التجارب العالمية تؤكد أن الدول التى استطاعت ترسيخ هوية صناعية واضحة، مثل تركيا فى قطاع المنسوجات أو كوريا الجنوبية فى الإلكترونيات والسيارات اعتمدت على توجيه الاستثمارات والحوافز نحو صناعة بعينها حتى أصبحت مرتبطة باسم الدولة نفسها.

وشدد السقطي، على ضرورة توفير حوافز ضريبية وجمركية، وتسهيل إجراءات التوسع الصناعي لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية فى القطاعات التى قد تكون الهوية الصناعية لمصر.

وذكر، أن قطاع مواد البناء حقق انتشارا فى مصر مؤخرا أيضا، نتيجة عزوف بعض الدول عن تصنيعها بسبب الأثر البيئي، لافتا إلى أن الهوية تتشكل عندما تمتلك الدولة قطاعا متميزا قائما على مهارة محلية وسمعة دولية قابلة للاستمرار.

وقال شريف الجبلي رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، إن مصر تمتلك جميع المقومات التى تؤهلها لامتلاك هوية صناعية واضحة فى قطاعي الصناعات الغذائية ومواد البناء، يليهما الصناعات الكيماوية والهندسية التي تستطيع مصر من خلالهما أن تحجز مكانا متقدما على خريطة الاقتصاد العالمى.

وأضاف أن مواد البناء يمثل قاعدة صناعية صلبة يمكن الاعتماد عليها فى بناء الهوية الصناعية لمصر، نظرا لتوافر الخامات الأولية محليا، بالإضافة إلى الخبرة المتراكمة للشركات المصرية فى هذا المجال، والتى مكنتها من المشاركة فى مشروعات كبرى داخل وخارج مصر.

وأشار إلى أن مصر لا ينقصها شيء للوصول إلى صياغة هوية صناعية متكاملة، فهى تمتلك قاعدة إنتاجية واسعة، وموارد طبيعية وبشرية غنية، وبنية تحتية قوية من طرق وموانئ ومناطق صناعية، مؤكدا أن ما تحتاجه هو صياغة استراتيجية وطنية واضحة تحدد أولويات الصناعة المصرية، وتضع تصورا متكاملا لتسويق تلك الهوية على المستوى الدولى.

وسيطر قطاع مواد البناء على صادرات مصر غير النفطية بنسبة وصلت لـ 29.6% خلال النصف الأول من العام الحالي، ليسجل 7.4 مليار دولار، مقابل 4.7 مليار دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى