شركات الأدوية تضغط لرفع الأسعار وسط موجة ارتفاع التكاليف

تزايدت مطالب شركات الأدوية، برفع أسعار منتجاتها، في ظل ارتفاع حاد في تكاليف التشغيل والمواد الخام المستوردة، ما يضع الحكومة أمام معادلة صعبة بين الحفاظ على استدامة الصناعة المحلية وحماية المستهلك باعتبار الدواء سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها.
ويأتي ذلك انعكاساً لتباين أداء شركات الأدوية المقيدة في البورصة خلال الفترة الماضية، إذ أظهرت نتائج الأعمال تفاوتاً واضحاً في هوامش الربحية وقدرة الشركات على مواجهة ضغوط التكاليف.
وبينما تمكنت شركات مثل “ابن سينا فارما” من تحقيق نمو قوي في الأرباح بنسبة 75% خلال النصف الأول لتسجل 389 مليون جنيه، و”راميدا” التي ارتفعت أرباحها 49% إلى 185 مليون جنيه، واصلت شركات القطاع العام منها “ممفيس” و”القاهرة للأدوية” تعزيز ربحيتها بقفزات بلغت 127% و80% على الترتيب خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الماضي.
في المقابل، واجهت شركات أخرى ضغوطاً سلبية انعكست على نتائجها، أبرزها “جلاكسو سميثكلاين” التي تراجعت أرباحها 30% رغم نمو الإيرادات خلال النصف الأول 2025، ما يعكس تفاوت مرونة الشركات في امتصاص أثر ارتفاع أسعار المواد الخام وتكاليف الإنتاج.
قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن قطاع الأدوية بأكمله يطالب حالياً هيئة الشراء الموحد بزيادة أسعار الدواء، في ظل معادلة صعبة تواجهها الشركات، إذ تعتمد أغلبها على التصدير لتغطية جزء من إنتاجها مع توجيه الجزء الآخر للسوق المحلي، ما يتطلب تسعيراً أعلى نظراً لارتفاع التكاليف.
وأضاف شفيع، أن المفاوضات مازالت جارية بين الشركات وهيئة الشراء الموحد، دون دخولها حيز التنفيذ حتى الآن، مشيراً إلى أن أسهم شركات الأدوية شهدت نشاطاً ملحوظاً على الشاشات خلال الأيام الماضية، نتيجة وضوح مطالبها برفع الأسعار، وهو ما سينعكس على الإيرادات حال تنفيذه.
وسجل مؤشر قطاع الأدوية، أداءً قوياً مدفوعاً بتلك المتغيرات، إذ ارتفع بنحو 8.2% خلال شهر أغسطس، ليحل في المرتبة الرابعة بين أفضل القطاعات أداءً بالبورصة المصرية، بعد قطاعات الخدمات التعليمية والمقاولات والسياحة والترفيه على التوالي.
وأوضح شفيع، أن ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، والتضخم المحلي، وزيادة الأجور والكهرباء والمستلزمات، جميعها عوامل دفعت الشركات للمطالبة بإعادة تسعير منتجاتها للحفاظ على هوامش الربحية السابقة.
أضاف أن الحكومة تنظر للأمر من زاويتين؛ الأولى تتعلق بالحفاظ على استدامة الصناعة المحلية، والأخيرة حماية المستهلك، باعتبار الدواء سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، ما يجعل اتخاذ القرار فى غاية الصعوبة.
ورجّح شفيع أن يتم التوصل إلى اتفاق لرفع الأسعار، مع وجود مفاوضات على نسبة الزيادة، لافتاً إلى أن الامتناع عن رفع الأسعار قد يهدد بخفض المعروض المحلي أو اختفاء بعض الأدوية من السوق.
وأشار إلى أن التصدير يمثل حالياً معياراً أساسياً لشركات الأدوية، كونه يوفر عملة صعبة تستخدم في استيراد المواد الخام، خاصة أن جهود الدولة في توطين الصناعة لم تكتمل بعد بنسبة 100%، ما يجعل الاعتماد على استيراد المادة الفعالة قائماً حتى الآن.
فهمي: الشركات قد تلجأ إلى وقف الإنتاج مؤقتاً لتفادي الخسائر
وقال هيثم فهمي، خبير سوق المال، إن قطاع الأدوية يواجه أزمة متكررة ترتبط بارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، ما يدفع الشركات للمطالبة بزيادة أسعار الأدوية محلياً، مشيراً إلى أن الحل الأمثل يكمن في تطبيق معادلة سعرية واضحة بدلاً من الدخول في دوامة توقف الإنتاج كلما ارتفعت التكاليف.
وأوضح أن تباين هوامش ربحية الشركات أمر طبيعي في القطاع، إذ تحقق بعض الشركات نتائج قوية في سنوات معينة ثم تسجل خسائر في أخرى، بينما تظل شركات محدودة مثل “الإسكندرية للأدوية” و”ممفيس” و”القومية” قادرة على الحفاظ على ربحيتها ونموها بصورة منتظمة، بفضل امتلاكها منتجات استراتيجية مثل بنج الأسنان والبنادول ولزقة النمر والبايكوفان، التي تضمن لها تدفقات إيرادية مستقرة.
وأشار إلى أن الخامات الدوائية –المواد الفعالة – هي السبب الرئيسي في ارتفاع التكاليف، أكثر من تقلبات سعر الصرف، لافتاً إلى أن بعض الشركات بدأت بالفعل في خطوات لتوطين صناعة المواد الخام محلياً، لكن الاعتماد على الاستيراد مازال قائماً بشكل رئيسي.
أضاف أن الشركات قد تلجأ إلى وقف الإنتاج مؤقتاً رغم امتلاكها خامات، وذلك لتفادي تكبد خسائر في حال بيع المخزون بالأسعار القديمة، خاصة أن الأدوية تخضع لتواريخ إنتاج وأرقام تشغيل تمنع التلاعب بالأسعار بعد التصنيع، وهو ما يفسر المرونة التي يستخدمها مديرو المصانع في إدارة عملية الإنتاج لحين صدور قرارات تسعير جديدة.
وأكد فهمي أن القدرة التنافسية للأدوية المصرية في التصدير ترجع إلى انخفاض تكاليف الإنتاج محلياً مقارنة بالبدائل الأجنبية، ما يمنح الشركات ميزة سعرية قوية في الأسواق الخارجية، لكنه شدد على أن عملية تسجيل الأدوية في الدول المستهدفة تمثل تحدياً، إذ قد تستغرق عامين على الأقل لاعتماد المصنع والمنتج في السوق المستهدف.
وبالنسبة لتأثير رفع الأسعار محلياً على التصدير، أوضح أن الفجوة السعرية الكبيرة بين الأدوية المصرية ونظيراتها الأجنبية تتيح هامشاً واسعاً للحفاظ على القدرة التنافسية، حتى في حال زيادة الأسعار داخلياً، مستشهداً بأزمة نقص بنج الأسنان التي أظهرت تفوق السعر المحلي مقارنة بالبدائل المستوردة.
وأشار إلى أن هناك فرصاً أمام الصادرات المصرية في ظل الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على بعض المنتجات، ما قد يفتح المجال أمام الأدوية المصرية لإحلال محل المنتجات الأمريكية في بعض الأسواق المستهدفة، فضلاً عن إمكانية استفادة الشركات المصرية من اتفاقيات “التصنيع للغير” مع شركات أجنبية كوسيلة للالتفاف على الرسوم الجمركية.