دينا مجدى تكتب: الرصاصة الهادئة

قرار مر كنفس عميق في صدر اقتصاد أنهكه الركود وقيدته الفائدة العالية.
فحين أدار البنك المركزي بوصلته نحو خفض أسعار الفائدة، تحركت المياه الراكدة ولضم وتين السوق.
قرار أشبه بدفقة دم جديدة في جسد الاقتصاد المصري، تحمل معها وعودًا بالانتعاش، وتُعيد رسم ملامح المشهد المالي بين من ربح ومن ينتظر دوره في طوابير المكاسب.
خفض الفائدة لم يكن مجرد رقم يُسجَل في محضر اجتماع لجنة السياسة النقدية، بل كان إشارة بدء مرحلة جديدة من التوازن بين كفتي الادخار والاستثمار.
فالمستثمرون الذين طالما أثقلهم عبء التمويل المرتفع، وتنفسوا الصعداء، فتحت السياسة النقدية أمامهم نوافذ جديدة للتوسع، ومدت لهم يد العون لتدوير العجلة الصناعية والتجارية مجددًا.
وفي المقابل، بدأ المودعون يعيدون حساباتهم بين عائد أقل وبدائل أكثر جرأة، وكأن السوق يدعو الجميع إلى مغادرة منطقة الراحة نحو ميدان الحركة والمخاطرة المحسوبة.
وقد التقطت السوق الإشارة سريعًا، فأذون الخزانة والسندات الحكومية بدأت تتفاعل مع القرار كأوراق تتمايل مع نسيم جديد، تشبثت بالعوائد المحلقة، وسط شهية مستثمرين لم تهدأ.
وبينما تتراجع الفائدة الاسمية، يظل السوق المصري، بما يملكه من استقرار نسبي وسوق دين واسع، ساحة جاذبة لرؤوس الأموال الباحثة عن توازن بين المخاطر والعائد.
أما البنوك، فوجدت نفسها أمام معادلة دقيقة، خفض الفائدة يعني انكماش هوامش الربح من أدوات الدين، لكنه في الوقت ذاته يفتح أبواب التوسع في الإقراض للقطاع الخاص والأفراد.
فبدلًا من الأموال المجمدة في ودائع أو أدوات مالية محدودة، تتحرك السيولة الآن نحو تمويل المشروعات، فتحيا دورة الإنتاج ويعلو صوت الاستثمار فوق همس الادخار.
وفي قلب المشهد، يظل المواطن، كونه المقياس الحقيقي لأي قرار اقتصادي، يترقب أثر الخفض على الأسعار والتضخم، فخفض الفائدة لن يكون ذي جدوى ما لم يترجم إلى استقرار في الأسواق وتراجع
في تكلفة المعيشة، وحينها فقط يمكن القول إن السياسة النقدية أصابت هدفها، وأن الرصاصة الهادئة التي أطلقها “المركزي” أصابت ركود الاقتصاد لا جيوب الناس.
فخفض الفائدة ليس النهاية، بل بداية طريق طويل نحو توازن دقيق بين التحفيز والانضباط، بين الطموح والواقعية.
وإذا كان القرار قد كسر جمود الأرقام، فالمطلوب الآن أن تلتقط السياسات المالية والاستثمارية هذا النبض، لتُكمل ما بدأته السياسة النقدية، في منظومة متناغمة تُعيد للاقتصاد المصري نبضه الطبيعي، بعد أن طال صمته.