«ديلويت»: مصر مرشحة لتكون مركزًا إقليميًا لنمو الإقراض غير المصرفي بالشرق الأوسط

ألقى تقرير صادر عن مؤسسة ديلويت بعنوان «The Surge of Private Credit in the Middle East» الضوء على الطفرة المتوقعة في نشاط التمويل الخاص بالمنطقة، معتبرًا أن مصر تملك مقومات قوية تؤهلها للاستفادة من هذا التحول العالمي في أنماط الإقراض والاستثمار، في وقت تواجه فيه الشركات المحلية صعوبات متزايدة في الحصول على تمويل مصرفي تقليدي.
نمو عالمي وتحول في مراكز التمويل
أكد التقرير أن سوق التمويل الخاص يشهد توسعًا غير مسبوق على المستوى العالمي، إذ تضاعفت الأصول المدارة في هذه الفئة إلى أكثر من تريليوني دولار منذ عام 2019، ويتوقع أن تصل القيمة الإجمالية للسوق القابلة للاستهداف إلى نحو 30 تريليون دولار خلال السنوات المقبلة، مع انتقال مؤسسات التمويل العالمية والمستثمرين نحو أدوات تحقق عوائد أعلى مقارنة بالسندات أو القروض البنكية.
وأوضح أن هذا الاتجاه يعكس تحوّلًا هيكليًا في الطريقة التي تموَّل بها الشركات، إذ باتت الصناديق الخاصة تقدم قروضًا مباشرة للشركات أو تعيد هيكلة ديونها بعيدًا عن النظام المصرفي التقليدي، وهو ما يُعرف بـ«التمويل الخاص» أو “Private Credit” الذي يُدار عادة من خلال صناديق أو مؤسسات مالية متخصصة.
وأشار التقرير إلى أن تزايد ضغوط أسعار الفائدة ومحدودية الإقراض البنكي في أعقاب تشديد السياسات النقدية حول العالم، دفع الشركات للبحث عن حلول تمويلية بديلة أكثر مرونة، وهو ما أعاد التمويل الخاص إلى صدارة المشهد المالي العالمي.
فرص واعدة في السوق المصري
وفقًا لـ«ديلويت»، فإن مصر من الأسواق التي يمكن أن تحقق استفادة كبيرة من هذا التحول، خاصة في ظل اتساع الفجوة التمويلية بين احتياجات الشركات وقدرة البنوك على تلبية تلك الاحتياجات.
ورأى التقرير أن البيئة الاقتصادية والتشريعية في مصر تشهد تغيرات إيجابية متتالية، مع توسع الحكومة في تنظيم أنشطة التمويل غير المصرفي وإطلاق مبادرات لدعم الشمول المالي والتمويل المستدام، ما يخلق قاعدة صلبة لانطلاق أنشطة التمويل الخاص.
ولفت التقرير إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر تمثل أكثر من 90% من إجمالي المنشآت، وتوفر النسبة الأكبر من فرص العمل، لكنها تواجه تحديات حقيقية في الوصول إلى التمويل البنكي نظرًا لشروط الضمانات ومتطلبات الائتمان الصارمة.
ويرى التقرير أن التمويل الخاص يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في دعم هذه الشريحة من خلال أدوات مرنة، مثل القروض المباشرة، أو التمويل المدعوم بالأصول، أو القروض العقارية والتمويل المهيكل.
البيئة التنظيمية والإصلاحات الاقتصادية
أكدت «ديلويت» أن الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة — بما في ذلك قانون التمويل متناهي الصغر، وتوسيع صلاحيات الهيئة العامة للرقابة المالية — تسهم في تعزيز ثقة المستثمرين، وتجعل السوق المصرية أكثر جاذبية أمام صناديق التمويل الخاصة الدولية.
وأشار التقرير إلى أن تطوير الأطر القانونية الخاصة بالإفلاس وإنفاذ العقود وحماية الدائنين، يشكل عاملاً رئيسيًا في خفض درجة المخاطر المرتبطة بالإقراض غير المصرفي، ما يمهد الطريق لتدفق استثمارات أجنبية أكبر في هذا المجال.
كما أن توسع مصر في المدفوعات الرقمية والتكنولوجيا المالية يفتح الباب أمام ظهور نماذج تمويلية مبتكرة، تجمع بين الإقراض المباشر والتكنولوجيا، وتسمح بإيصال التمويل إلى شرائح كانت مستبعدة من النظام المالي الرسمي.
صناديق إقليمية تبحث عن وجهات جديدة
لفتت «ديلويت» إلى أن مؤسسات وصناديق سيادية خليجية كبرى مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، وجهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، ومبادلة، دخلت بالفعل في شراكات مع كبرى بيوت الائتمان العالمية بهدف التوسع في نشاط التمويل الخاص.
ويرى التقرير أن دخول هذه الصناديق إلى السوق المصري قد يكون خطوة منطقية قادمة، نظرًا لحجم الاقتصاد وتنوع القطاعات القابلة للاستثمار، من العقارات والطاقة المتجددة إلى التكنولوجيا والخدمات المالية.
أضاف أن مصر يمكن أن تستفيد من موقعها الجغرافي وارتباطها القوي بالأسواق الخليجية والأفريقية، لتصبح مركزًا إقليميًا للتمويل الخاص في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
سوق لا يزال في بدايته
ورغم أن سوق التمويل الخاص في مصر لا يزال في مراحله الأولى مقارنة بأسواق أكثر نضجًا في الخليج أو أوروبا، إلا أن «ديلويت» توقعت أن تشهد السنوات الخمس المقبلة تحولًا جذريًا مع دخول مؤسسات مالية جديدة، محلية ودولية، إلى السوق.
وأوضح التقرير أن المستثمرين باتوا ينظرون إلى مصر كوجهة يمكن أن تحقق عوائد مرتفعة معدّلة للمخاطر، خصوصًا مع تزايد الطلب على التمويل في القطاعات الحيوية.
وأشار إلى أن تعزيز الشفافية وتحسين جودة البيانات المالية والإفصاحات سيشكلان ركيزة مهمة لزيادة ثقة المستثمرين الدوليين، ودفع مزيد من الصناديق إلى تخصيص جزء من محافظها للسوق المصرية.
تحديات قائمة وفرص أكبر
وحذر التقرير من أن التوسع السريع في الإقراض الخاص دون ضوابط رقابية كافية قد يعرّض السوق لمخاطر ائتمانية مرتفعة، خصوصًا إذا لم تُدعَم عمليات التمويل بآليات دقيقة لتقييم المخاطر.
لكنه أكد في الوقت ذاته أن المكاسب المحتملة تفوق التحديات، إذا ما تمكّنت مصر من استكمال برامجها الإصلاحية وتعزيز الثقة في بيئتها القانونية والتنظيمية.
كما دعا التقرير إلى تطوير آليات تعاون بين الجهات التنظيمية والبنوك التجارية وصناديق التمويل الخاصة، لضمان توازن السوق ومنع تداخل الأنشطة، مع توفير بيانات شفافة حول المخاطر والعوائد.
التمويل الخاص رافعة جديدة للنمو
ويرى التقرير أن التمويل الخاص لا يقتصر على كونه بديلًا مؤقتًا للإقراض المصرفي، بل يمثل رافعة دائمة للنمو الاقتصادي، تسمح بتمويل مشروعات مبتكرة وسريعة النمو لا تستطيع البنوك دعمها ضمن معاييرها التقليدية.
وأشار إلى أن اعتماد مصر المتزايد على الاستثمار الخاص كمحرّك للنمو، يجعل من التمويل غير المصرفي أداة حيوية لاستدامة هذا المسار، لا سيما في ظل التوجهات الحكومية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.
أضاف التقرير، أن السنوات المقبلة قد تشهد ولادة جيل جديد من مؤسسات التمويل المحلية التي تعمل وفق نموذج الصناديق الائتمانية الخاصة، سواء بشكل مستقل أو بالشراكة مع مؤسسات إقليمية ودولية، وهو ما سيعزز تنافسية السوق ويزيد من تنوع مصادر التمويل المتاحة للشركات.
مستقبل القطاع
واختتمت «ديلويت» تقريرها بالتأكيد على أن مصر تمتلك من المقومات ما يجعلها واحدة من أهم الأسواق المرشحة لأن تصبح مركزًا إقليميًا لنشاط التمويل الخاص خلال العقد المقبل، بشرط استمرار الإصلاحات، وتطوير التشريعات الداعمة، وبناء ثقة المستثمرين الدوليين.
وأضافت أن التمويل الخاص في مصر يمكن أن يتحول من مجرد بديل تكميلي إلى قطاع مؤسسي متكامل، يساهم في تمويل النمو، وتحفيز الاستثمار، وخلق وظائف جديدة، ودعم الابتكار في الاقتصاد المحلي.