عقارات

تباطؤ المبيعات يضغط على القطاع العقاري.. متى تنتهي الأزمة؟

أكد خبراء ومتعامون بالقطاع العقاري، أن السوق شهد موجة من تباطؤ المبيعات نتيجة عدة عوامل أبرزها الزيادات غير المدروسة في أسعار الوحدات استنادًا إلى توقعات مبالغ فيها لسعر الدولار، إلى جانب التوسع غير المنضبط في طرح المشروعات بمناطق متعددة مثل القاهرة الجديدة و6 أكتوبر والعين السخنة والساحل الشمالي، وهو ما أحدث حالة من التشبع والتشتت لدى العملاء.

أضاف الخبراء والمتعاملون بالقطاع العقاري الذين تحدثوا لـ”البورصة”، أن الطلب الحقيقي لم يختف، وإنما أصبح أكثر انتقائية، إذ يركز المستخدم النهائي والمستثمر على المشروعات الجادة والمطورين القادرين على الالتزام بمواعيد التسليم وجودة التنفيذ.

قال مهاب حسونة، رئيس شركة “سفن فيجرز” للتسويق العقاري، إن تراجع المبيعات ، الفترة الماضية له عدة أسباب، في مقدمتها الزيادات العشوائية في الأسعار التي أقدم عليها بعض المطورين دون وجود مبررات واقعية أو دراسة دقيقة للسوق.

أضاف أن هذه الزيادات اعتمدت على توقعات غير مدروسة بارتفاع سعر الدولار إلى مستويات معينة، ما دفع الشركات إلى التحوط المبالغ فيه، وبالتالي وصلت أسعار الوحدات إلى مستويات غير منطقية بالنسبة للعملاء .. الأمر الذي انعكس على حجم الطلب وأدى إلى تراجع حركة البيع.

وأشار حسونة، إلى أن هناك سببًا آخر لا يقل أهمية، وهو تضخم عدد المشروعات وتوسعها بشكل غير منضبط في مناطق متعددة ، منها القاهرة الجديدة، و6 أكتوبر، والعين السخنة، والساحل الشمالي، ما خلق حالة من التشتت لدى العميل الذي لم يعد يعرف أين يستثمر أمواله أو يختار وحدته السكنية؟.

اقرأ أيضا: “إلغاء التعاقدات” يجدد مخاوف القطاع العقاري

وهذا التوسع الكبير أضر بقدرة القطاع العقاري على الاستقرار، وأدى إلى حالة من المنافسة غير العادلة بين مطورين كبار يمتلكون إمكانات ضخمة وآخرين أقل خبرة وإمكانيات.

وتابع:” هذه العوامل مجتمعة جعلت الوضع الحالي يمثل تحديًا كبيرًا أمام المطورين، مؤكدًا أن السوق يمر بمرحلة “اختبار حقيقي” ستكشف عن المطورين الجادين القادرين على الاستمرار، مقابل خروج اللاعبين غير المؤهلين.

وأوضح أن هذه الفترة الحرجة ستتطلب من الشركات تقديم منتجات حقيقية مبنية على خطط مدروسة، وليست مجرد مشروعات على الورق.

وفيما يتعلق بتوقعات الأسعار، قال حسونة، إن العام الحالي لن يشهد على الأرجح زيادات جديدة، خصوصا أن السوق فقد الكثير من الزخم ولم تعد هناك عوامل تدفع نحو رفع الأسعار، مضيفًا أن 2026 قد يكون عامًا فارقًا لقياس قوة المشروعات الجديدة المطروحة ومدى قدرتها على تحقيق مبيعات جيدة.

ولفت حسونة إلى أن القطاع العقاري يتجه بشكل واضح نحو إلغاء نظام “نصف التشطيب”، الذي لم يعد مقبولًا من العملاء، إذ يرغب المشترون في الحصول على وحدات كاملة التشطيب وجاهزة للسكن، مع تقليل فترات التنفيذ والتسليم، بعد أن امتدت في بعض المشروعات لأكثر من 12 عامًا، وهو ما أضر بسمعة القطاع وأفقده المصداقية.

أكد رئيس شركة سفن فيجرز للتسويق العقاري، أن المشكلة الجوهرية تكمن في ضعف الرقابة على المطورين مقارنة بالوضع في الماضي، عندما كانت هناك متابعة دقيقة لالتزام الشركات بمواعيد التسليم وجودة التنفيذ، بينما الآن غابت هذه الرقابة، ما أدى إلى تزايد شكاوى العملاء.

وطالب بضرورة عودة دور الدولة الرقابي القوي لحماية العملاء وتنظيم السوق، مؤكدا علي أهمية التعامل بواقعية عند اتخاذ قرار الشراء، وعدم الانسياق وراء أسماء الشركات الكبيرة أو الحملات الإعلانية المكثفة.

ولفت إلي أهمية تقييم العميل للمشروع نفسه عند الشراء، ودراسة موقعه، وخطة تنفيذه، ومدى جدية المطور وقدرته المالية والإدارية على التسليم، لأن حسن الاختيار هو الضمان الأساسي لاستثمار آمن وناجح في القطاع العقاري.

وأوضح حسونة، أن السوق العقاري ما زال يتمتع بفرص واعدة، لكنه بحاجة ماسة إلى تنظيم أقوى ورقابة أكثر صرامة، بجانب التزام المطورين بخطط واقعية تسهم في استعادة ثقة العملاء وتعزيز جاذبية الاستثمار في العقار كملاذ آمن طويل الأجل.

العادلي: مرحلة مؤقتة .. والمطورون عليهم أن يتعاملوا مع الوضع الحالي بواقعية

وقال رياض العادلي، رئيس مجلس إدارة شركة نكست دور للتسويق العقاري، إن تباطؤ المبيعات الذي شهده القطاع العقاري خلال موسم الصيف يُعَدّ امتدادًا لتداعيات ماحدث بالسوق العقاري عام 2023.

وأوضح أن المطورين وقتها قاموا بتسعير الوحدات وفق سعر مرتفع للجنيه مقابل الدولار كنوع من التحوط ضد تقلبات العملة، وهو ما أدى إلى وصول الأسعار لمستويات غير متناسبة مع قدرات العملاء، فتراجع الإقبال على الشراء.

أكد العادلي أن هذا التباطؤ ليس حالة دائمة، وإنما مرحلة مؤقتة حتى يستوعب السوق هذه الموجة، لافتا إلى أن الطلب الحقيقي لا يختفي، خاصة من شريحتين أساسيتين هما المستخدم النهائي الذي يبحث عن السكن الفعلي، والمستثمرون المحليون والمغتربون والعرب الذين ما زالوا يرون في العقار المصري ملاذًا آمنًا .

وأضاف أن المطورين عليهم أن يتعاملوا مع الوضع الحالي بواقعية، عبر تسعير المشروعات الجديدة بأسعار مناسبة للمرحلة الراهنة، والتوقف عن المبالغة في مدد السداد الطويلة التي وصلت في بعض الحالات إلى 10 و12 سنة، موضحًا أن تقليل فترة التقسيط إلى 6 أو 7 سنوات يتيح تسعيرًا أفضل ويمنح العميل إحساسًا بالمنطقية والواقعية.

وأشار إلى أن قرار البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة مؤخرًا بنسبة 2% يمثل تطورًا إيجابيًا مهمًا للسوق، إذ يسهم في تقليل التكلفة التمويلية على المطورين، كما يشجع العملاء على التمويل العقاري ويزيد من جاذبية الاستثمار في القطاع.

اقرأ أيضا: “التمويل التشاركي” يفتح الباب للاستثمار العقاري عبر المنصات الرقمية

وتوقع أن ينعكس هذا القرار تدريجيًا على المشروعات الجديدة التي ستُسعّر وفق معدلات فائدة أقل، مما يدعم فرص البيع والنمو.

وأوضح العادلي أن الزيادات السعرية التي حدثت في الربع الثالث من العام الحالي، كانت محدودة للغاية واقتصرت على مطورين في مناطق بعينها، متوقعًا أن تستمر بعض الزيادات الطفيفة المرتبطة بالتضخم، لكنها لن تكون كبيرة أو عشوائية كما في السابق.

وتابع:” الحل الأمثل أمام المطورين في الوقت الراهن هو التريث في الطروحات الجديدة أو تقليل حجم المعروض بشكل مؤقت، بما يتيح امتصاص التباطؤ الحالي وتجنب الضغط على المبيعات”.

أضاف أن المشروعات الجديدة إذا طُرحت بتسعير صحيح وخطط سداد مناسبة، فإنها ستحقق طفرة في المبيعات، بينما تحتاج المشروعات القديمة إلى وقت أطول أو عروض قوية لإعادة تنشيط مبيعاتها.

كما أن السوق العقاري المصري ما زال جاذبًا ويمثل ركيزة أساسية للاقتصاد، لكن نجاحه يتطلب مرونة في التسعير، وانضباطًا في التنفيذ، واستفادة أكبر من الإصلاحات الاقتصادية الجارية.

الشيخ: أتوقع تحسنًا ملحوظًا في المبيعات الربع الأول 2026 

وقال علاء الشيخ، رئيس مجلس إدارة شركة “أسيت تاب” للتسويق العقاري، إن سوق العقارات شهد موجة شراء قوية جدًا منذ نهاية 2022 وحتى الربع الأول من 2024.

وأوضح أن أي وحدة كانت تُطرح تُباع فورًا وبالسعر الذي يحدده المطور، لكن بعد فترة من الانتعاش القوي حدث تشبع ملحوظ في السوق، خصوصًا مع توسع المطورين في طرح خطط سداد طويلة الأجل وصلت إلى 12 و14 سنة، وهو ما قلل من جدوى إعادة البيع وأدى إلى تباطؤ المبيعات.

أضاف أن حالة الركود الحالية ليست شاملة، بل هي ركود انتقائي؛ فبعض المشروعات الجديدة حققت نجاحًا كبيرًا وباعت بالكامل، وكذلك مشروعات في الساحل الشمالي، نتيجة سمعة المطور وثقة العملاء، فضلًا عن تقديم منتجات جديدة أو أسعار أكثر مرونة.

أشار الشيخ إلى أن تقرير شركة ذا بورد كونسالتينج لأبحاث السوق، الصادر الأسبوع الماضي، أوضح أن أكبر 10 شركات حققت مبيعات بقيمة 651 مليار جنيه في النصف الأول من 2025، وهو ما يبين أن الشركات الكبرى التي طرحت مشروعات جديدة بأسعار مدروسة أو أفكار مبتكرة هي التي قادت السوق.

وأوضح التقرير أن هذه الطفرة تعكس قدرة الشركات الكبرى على توسيع حصتها السوقية على حساب المطورين المتوسطين والصغار، في ظل زيادة وعي العملاء وانتقائيتهم في قرارات الشراء، لافتًا إلى أن الأداء يعزز مكانة الكيانات الكبرى كلاعب رئيس في القطاع رغم التحديات الاقتصادية.

وكشف التقرير أن متوسط سعر الوحدة السكنية لدى تلك الشركات بلغ نحو 17 مليون جنيه خلال النصف الأول من 2025، بزيادة 7% عن العام الماضي، وهو ما يعكس استهداف شريحة العملاء القادرين على الشراء، بينما يعاني المطورون الأصغر من تباطؤ واضح في المبيعات.

أوضح التقرير أن النصف الأول من عام 2025 شهد استمرار تدفق الاستثمارات الخليجية إلى السوق المصري، في مؤشر على تجدد الثقة في الاقتصاد الوطني وانعكاسه المباشر على القطاع العقاري.

تابع أن عدة دول خليجية تحركت في مسارات متوازية تستهدف مشروعات استراتيجية طويلة الأمد، في وقت برزت فيه اتجاهات جديدة للمستثمرين المحليين نحو أسواق خارجية.

ورصد التقرير توجهًا متزايدًا لمستثمرين مصريين نحو شراء عقارات بالخارج، خاصة في دبي وأبوظبي، إلى جانب اليونان وسلطنة عُمان، مدفوعًا بارتفاع أسعار العقارات في مصر لمستويات باتت قريبة من السوق الإماراتي، ورغبة هؤلاء في تحقيق عوائد بالعملات الأجنبية وتنويع محافظهم الاستثمارية.

وفيما يتعلق بتأثير خفض أسعار الفائدة، أكد أن قرار “المركزي”  سينعكس بالإيجاب على السوق ، إذ يدفع العملاء إلى سحب أموالهم من البنوك وتوجيهها للعقار أو الذهب. ومع ثبات أسعار الذهب نسبيًا أصبح العقار الخيار الأكثر جذبًا، كما أن تكلفة التمويل على المطورين انخفضت، وهو ما يشجعهم على الحصول على تمويلات إضافية وضخها في المشروعات.

وتوقع الشيخ أن يشهد السوق تحسنًا ملحوظًا في المبيعات مع الربع الأول من 2026، بشرط أن يستمر البنك المركزي في خفض الفائدة تدريجيًا بنسبة 2 إلى 3% أخرى، وهو ما سيقلل من جاذبية الودائع ويزيد من إقبال العملاء على العقار.

ولفت إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد توجه عدد من كبار المطورين نحو مشروعات موجهة للشرائح المتوسطة وفوق المتوسطة، بشروط سداد وأسعار أقل من المشروعات الفاخرة، لمواكبة تغير قدرات العملاء.

كما أن المطورين لن يخفضوا أسعار الوحدات بشكل مباشر، لكنهم سيقدمون حلولًا مثل فترات سداد أطول أو منتجات جديدة تستهدف شرائح سعرية أقل.

أشار الشيخ، إلى أن بعض المطورين الكبار مثل “طلعت مصطفى” و”بالم هيلز” تمكنوا من قراءة السوق مبكرًا وطرح أنظمة دفع مرنة جذبت العملاء، حيث سجلت “بالم هيلز” مبيعات بنحو 143 مليار جنيه في ستة أشهر فقط، بفضل استراتيجيتها التي اعتمدت على مقدمات بسيطة وأقساط ممتدة.

أضاف أن السوق ما زال يتمتع بعوامل جذب قوية، وأن الشركات القادرة على الابتكار في التسعير وأنظمة السداد ستظل متقدمة، في حين ستتأثر الشركات الأخرى التي تطرح منتجات تقليدية أو بأسعار مبالغ فيها.

المنشاوي: زيادة طروحات الدولة خلقت حالة من فائض المعروض 

وقال رضا المنشاوى، مدير مبيعات شركة ديارنا للتسويق العقارى، إن مبيعات السوق خلال الربع الثالث من العام الحالي لم تحقق المستويات المعتادة مقارنة بالسنوات السابقة، مرجعًا ذلك إلى عدة أسباب أبرزها انعكاس الأوضاع الاقتصادية العامة على حركة البيع والشراء، إضافة إلى ارتفاع الأسعار الذي أدى إلى تراجع القوة الشرائية سواء للمصريين في الداخل أو بالخارج.

وأضاف أن زيادة طروحات الدولة من الأراضي والمشروعات للمطورين خلقت حالة من فائض المعروض مقابل الطلب، وهو ما تسبب في حالة شبه تشبع بالسوق العقاري، مشددًا على ضرورة أن تتوقف الدولة مؤقتًا عن طرح أراضٍ جديدة حتى لا تتفاقم الأزمة.

وأكد المنشاوي أن السوق يمر بدورات صعود وهبوط، وهو ما اعتبره أمرًا طبيعيًا في أي قطاع استثماري.. لكن  الأوضاع خلال العام الحالي جاءت أكثر صعوبة حتى على الشركات الكبرى، نظرًا لاعتمادها على تدفقات نقدية لم تتحقق في ظل تباطؤ المبيعات.

وأوضح أن الوضع الحالي يمثل “سوق العميل”، إذ تتوافر فرص أفضل من العام الماضي بفضل العروض المقدمة من المطورين، سواء بتخفيضات سعرية محدودة أو بمد فترات السداد، في محاولة لجذب العملاء وتحريك المبيعات.

وعن تأثير خفض أسعار الفائدة، قال المنشاوي إن هذا التطور يمثل مؤشرًا إيجابيًا، لأنه من المفترض أن يدفع المطورين إلى إعادة النظر في خطط التسعير عبر تقديم مدد سداد أطول أو خصومات إضافية للعملاء، لافتًا إلى أن تراجع الفائدة تدريجيًا خلال الأشهر المقبلة قد يسهم في تحفيز السوق بشكل أكبر.

كما شدد على ضرورة فتح أسواق خارجية جديدة أمام المطورين المصريين، بدلًا من الاعتماد فقط على السوق المحلي أو على العملاء العرب.

وأوضح أن هناك فرصًا قوية في أسواق مثل أفريقيا وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى مدن البحر الأحمر كالغردقة وشرم الشيخ، التي ما زالت تجذب شرائح واسعة من المستثمرين الأجانب الباحثين عن عقارات سياحية.

وتابع:” السوق حاليًا في حالة ترقب من جانب العملاء، على غرار ما حدث مؤخرًا في سوق السيارات، لكن من غير المرجح أن تشهد أسعار العقارات انخفاضات حادة، بل سيقتصر الأمر على خصومات أو عروض مرنة في خطط السداد”.

وأضاف أن انخفاض الأسعار قد يمثل ميزة للمستخدم النهائي، لكنه في الوقت نفسه يشكل ناقوس خطر بالنسبة للمستثمر الذي يبحث عن نمو رأس المال، مؤكدًا أن الحل يكمن في التوازن بين استقرار الأسعار وتقديم منتجات مبتكرة تجذب عملاء جددا محليًا ودوليًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى