الجلسة الثانية من «ثينك كوميرشال»: بين التنظيم والفرص التنافسية فى السوق

يشهد السوق العقاري، تغيراً قوياً بعد إطلاق الهيئة العامة للرقابة المالية التشريعات الخاصة بالاستثمار التشاركى فى العقار، باعتباره من أبرز الموضوعات التى تشهد زخماً فى السوق المصرى خلال الفترة الأخيرة.
وقد أطلقت الدولة رسمياً هذا النمط الاستثمارى كإحدى الآليات الجديدة لزيادة جاذبية القطاع.
وبدأت الهيئة العامة للرقابة المالية، اتخاذ خطوات فعلية لتقنين عمل هذه المنصات، من خلال إلزامها بتأسيس صناديق استثمار عقارى متعددة الإصدارات، على أن يكون لكل مشروع إصدار مستقل، بجانب ضرورة الحصول على تراخيص لمزاولة أنشطة الترويج وتغطية الاكتتاب، وذلك ضمن الإطار التنظيمى الجديد للتمويل التشاركي.
وشهدت الجلسة الثانية من فعاليات مؤتمر «ثينك كوميرشال» والتى عقدت تحت عنوان «الاستثمار الجزئى.. بين التنظيم والفرص التنافسية»، تركيزاً على مناقشة أحدث آليات الاستثمار العقارى التى تبنّتها الدولة مؤخراً من خلال إتاحة الملكية المشتركة والاستثمار الجزئى.
وضمت الجلسة نقاشاً موسعاً حول كيفية تطبيق نظام الملكية المشتركة وآفاق الاستثمار الجزئى، باعتباره أداة تمويلية واستثمارية مبتكرة تتيح لشريحة أكبر من الأفراد والمؤسسات الدخول إلى السوق العقارى، بما يسهم فى توسيع قاعدة المستثمرين وتعزيز سيولة القطاع.
وتناول المشاركون فى الجلسة، الإطار التنظيمى الذى تم وضعه لضمان نجاح التجربة الجديدة، بجانب استعراض ما يوفره هذا النمط من فرص لتعزيز جاذبية السوق العقارى، وزيادة قاعدة المستثمرين من الأفراد والمؤسسات، بما ينعكس على تنشيط السيولة ورفع مستويات التنافسية بين المطورين.
كما تطرقت الجلسة إلى التحديات التى قد تواجه تطبيق الاستثمار الجزئى فى السوق المحلى، والحلول المقترحة لتفعيل دوره كأداة تمويلية واستثمارية مبتكرة تواكب المتغيرات الاقتصادية، وتفتح آفاقاً جديدة أمام قطاع العقارات فى مصر.
والملكية الجزئية للعقار تمثل حلاً لتعزيز القدرة الشرائية فى السوق العقارى؛ إذ تتيح للمستثمرين فرصة التملك من خلال حصص فى العقارات بدلاً من شراء الوحدة بالكامل، ما يجعل الاستثمار العقارى أكثر مرونة ومتاحاً لشريحة أوسع من الجمهور.
أدار الجلسة هشام شكرى، رئيس المجلس التصديرى للعقار، وضمت كلاً من معتصم أحمد، مدير إدارة الصناديق بالهيئة العامة للرقابة المالية، وأحمد أبوالسعد، العضو المنتدب لشركة أزيموت لإدارة الاستثمارات، وأحمد صقر، العضو المنتدب لصندوق صقر العقارى «فريدة»، وإيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال، وأيمن عبدالحميد، العضو المنتدب لشركة الأولى للتمويل العقارى، وحسام جرامون، الشريك بمكتب أدسيرو للمحاماة، وأيمن الصاوى، العضو المنتدب لمنصة بكرة القابضة، وأيمن سامى، مدير مكتب جى إل إل للاستشارات العقارية، وعبير عصام، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقارى، وآسر حمدى، عضو اللجنة السياحية بغرفة التجارة الأمريكية، ومحمد راشد، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقارى.
غياب المستثمر التقليدى
واستهل هشام شكرى، الجلسة برأيه حول التمويل التشاركى قائلاً إن الاستثمار الجزئى العقارى لم يكن مجرد فكرة وليدة أو اتجاه عابر، وإنما جاء استجابة حقيقية لاحتياجات السوق والواقع الاقتصادى.
فقد فرضت الظروف الاقتصادية والقدرة الشرائية المحدودة لشريحة واسعة من المستثمرين هذا النمط من الاستثمار، خاصة مع ارتفاع أسعار الوحدات العقارية الفاخرة التى تتراوح قيمتها بين 10 و15 مليون جنيه، وهى مستويات سعرية لم تعد فى متناول كثير من صغار المستثمرين.
أضاف أن السوق العقارى لم يعد قائماً على المستثمر التقليدى القادر على شراء وحدة كاملة؛ بل أصبح يحتاج إلى آليات مبتكرة تتيح مشاركة أكثر من مستثمر فى أصل واحد، وهو ما عُرف بفكرة الاستثمار الجزئى للعقار.
وتتلخص هذه المنظومة فى إمكانية شراء جزء من الوحدة العقارية أو المشاركة فى ملكيتها مع آخرين، مع وجود جهة إدارية أو شخص متخصص يتولى إدارة هذا الأصل، وتحقيق عائد منه، سواء عبر إعادة البيع أو من خلال التأجير والإيجار التشغيلى.
وأشار «شكرى» إلى أن هذه المنظومة، عند ظهورها، أثارت فى البداية مخاوف عديدة لدى السوق والمستثمرين، نظراً إلى غياب القواعد الواضحة التى تنظمها.
فقد كان هناك تخوف حقيقى من أن يؤدى الاستثمار الجزئى ـ فى غياب ضوابط ـ إلى دخول بعض الجهات غير الملتزمة أو الأفراد غير المؤهلين لجمع أموال من صغار المستثمرين والمواطنين البسطاء، بما قد يشكل خطراً على أموالهم، ويؤثر سلباً على سمعة القطاع العقارى ككل.
ولفت إلى أن سرعة تدخل الهيئة العامة للرقابة المالية كان لها دور محورى فى تقنين هذا النشاط وتنظيمه؛ إذ أصدرت التشريعات واللوائح التنفيذية التى تضع إطاراً واضحاً لهذه الآلية الاستثمارية.
وأوضح رئيس المجلس التصديرى للعقار، أن وجود هذا الإطار القانونى لم يحمِ المستثمرين فقط؛ بل أسهم أيضاً فى طمأنة السوق ومنح ثقة أكبر للمستثمرين الأفراد والشركات على حد سواء.
وأكد «شكرى»، أن الاستثمار الجزئى للعقار يمثل أداة حقيقية لصغار المستثمرين الذين لا يمتلكون الملاءة المالية الكافية لشراء وحدات كاملة، لكنه فى الوقت ذاته يتيح لهم فرصة المشاركة فى استثمار عقارى مربح، وتحقيق عوائد جيدة ومجزية من خلال هذه الصيغة.
وأضاف أن هذه الآلية، إذا ما تم الالتزام بتنفيذها وفق أعلى معايير الحوكمة والشفافية، فإنها ستفتح الباب أمام شريحة جديدة من المستثمرين، وتمنح القطاع العقارى دفعة قوية نحو مزيد من التنوع والابتكار فى أدواته التمويلية.
الاستثمار التشاركى
ووجه مدير الجلسة، حديثه إلى معتصم أحمد مدير إدارة صناديق الاستثمار بالهيئة العامة للرقابة المالية، حول ما هى الخطوات التشريعية للقوانين الخاصة بالاستثمار التشاركى بالعقار؟
وأجاب معتصم أحمد، مؤكداً أن الهيئة تنظر إلى صناديق الاستثمار العقارية باعتبارها كيانات تأخذ شكل شركة مساهمة؛ إذ يتم طرحها للمستثمرين عبر نشرات أو مذكرات معلومات تحدد بوضوح السياسة الاستثمارية المستهدفة، سواء فى عقارات بعينها أو ضمن مشروعات عقارية متنوعة.
وأوضح أن هذه الصناديق تعمل وفق منظومة متكاملة تشمل مدير استثمار يتولى الإدارة الفعلية للأصول، وجهات لتلقى الاكتتاب، بالإضافة إلى مقيم عقارى مستقل يتولى بشكل دورى مهمة تقييم الأصول وإصدار القوائم المالية التى تخضع للمراجعة من جانب مراقب حسابات معتمد.
وأشار «أحمد»، إلى أن القرار الجديد للهيئة ـ رقم 125 لسنة 2025 ـ أدخل بعداً تنظيمياً أكثر تحديداً؛ إذ سمح بالاكتتاب المباشر فى وحدة أو مشروع عقارى محدد من خلال منصة رقمية مرخصة، وهو ما يعد نقلة نوعية فى مجال الاستثمار العقارى.
أضاف أن هذه المنصات الإلكترونية تقوم بدور حلقة الوصل بين جميع الأطراف المتعاقدة فى الصندوق، بداية من مدير الاستثمار وشركة خدمات الإدارة، مروراً بالإيداع والقيد المركزي، وصولاً إلى المستثمرين الذين يخضعون لاختبارات لقياس درجة وعيهم بالمخاطر قبل السماح لهم بالدخول فى هذه الاستثمارات.
ولفت إلى أن المنصات الإلكترونية توفر للمستثمرين تجربة متكاملة تتميز بالسهولة والسرعة؛ إذ أصبح بإمكان العميل الاكتتاب أو الاسترداد بشكل رقمى كامل دون الحاجة لأى أوراق تقليدية، حيث يتم تسجيل المكتتبين وحصصهم بشكل فورى عبر شركة مصر للمقاصة.
كما أن الوثائق الصادرة عن هذه الصناديق تكون مدعومة بأصول عقارية حقيقية، سواء كان الصندوق مرتبطاً بمشروع واحد فقط أو بمجموعة من المشروعات العقارية، مع مرونة تتيح إصدار أكثر من شريحة أو إصدار للصندوق الواحد، بما يسمح للمستثمرين بالمشاركة حسب قدراتهم المالية والسيولة المتاحة لديهم.
وأكد «أحمد»، أن المنصات الرقمية المرخصة تخضع لإشراف ورقابة الهيئة العامة للرقابة المالية منذ اللحظة الأولى لمرحلة التأسيس وحتى انتهاء عمليات الاكتتاب، مشدداً على أن الصناديق ملزمة بتقديم إفصاحات دورية لحملة الوثائق، تتضمن تفاصيل تغطية الاكتتاب والمشروعات المستهدفة ومستوى التنفيذ الفعلى للسياسة الاستثمارية، بالإضافة إلى تقييم نصف سنوى للأصول العقارية يقوم به مقيم عقارى مستقل لضمان انعكاس القيمة الحقيقية لتلك الأصول فى تقارير الصندوق.
وفيما يتعلق بأطراف التعاقد، أوضح أن اللوائح تتيح أن تكون جهة الترويج وتلقى الاكتتاب ومدير الاستثمار كياناً واحداً، كما يمكن الاستعانة بأطراف متعددة تبعاً لهياكل الصناديق المختلفة.
وكشف «أحمد» أن الهيئة تلقت حتى الآن ثلاثة طلبات للحصول على تراخيص تأسيس صناديق استثمار عقارية عبر هذه المنصات، جميعها يجمع بين أنشطة الترويج والتلقى وإدارة الاستثمار وتشغيل المنصة، ولا تزال هذه الطلبات فى طور استيفاء الموافقات النهائية من الهيئة.
أكد مدير إدارة صناديق الاستثمار بالهيئة العامة للرقابة المالية، أن الضوابط الجديدة تفتح المجال أمام صغار المستثمرين للدخول إلى سوق كان لسنوات طويلة مقصوراً على رؤوس الأموال الكبيرة فقط، وسط تأكيدات من المشاركين بأن الضوابط الرقابية والإفصاحات الدورية تمثل صمام أمان يحافظ على حقوق جميع الأطراف.
وأصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 125 لسنة 2025 بشأن ضوابط إنشاء المنصات الرقمية للاستثمار فى وثائق صناديق الاستثمار العقاري، بهدف تنظيم الاستثمار فى وثائق تمثل حصص ملكية على المشاع فى وحدات عقارية من خلال منصات رقمية مرخصة وخاضعة لإشراف الهيئة، بما يسهم فى تيسير الإجراءات وتعزيز الشفافية وتوفير بيئة آمنة للمستثمرين.
وتعد هذه الضوابط أول تنظيم رسمى للاستثمار العقارى عبر منصات إلكترونية، وتأتى ضمن إستراتيجية الهيئة لتوفير منتجات استثمارية مبتكرة ورفع مستويات الشمول المالى والاستثماري.
التحديات التى تواجه مديرى الأصول
ووجه «شكرى»، دفة الحديث نحو أحمد أبوالسعد، العضو المنتدب، الرئيس التنفيذ لشركة أزيموت لإدارة الاستثمارات المالية، بسؤاله حول التحديات التى تواجه مديرى الأصول لتلك النوعية من الصناديق.
واستعرض «أبوالسعد»، التطور الذى شهده سوق المال المصرى خلال السنوات الخمس الأخيرة، قبل الدخول فى تفاصيل التحديات المرتبطة بالمنصات العقارية.
وأكد أن هذا التطور جاء بعد فترة كمون طويلة امتدت لأكثر من 20 عاماً لم تشهد خلالها السوق أى تطور جوهرى يُذكر، إلى أن جاءت التشريعات التى سمحت لمديرى الاستثمار بإطلاق صناديقهم الخاصة، بعدما كانت مقصورة على البنوك وحدها، والتى لم تكن متحمسة للاستثمار المباشر بقدر ما ركزت على جمع الودائع وتوظيفها فى أدوات الدين الحكومي.
وأشار «أبوالسعد» إلى أن فتح المجال أمام الشركات لإصدار الصناديق شكّل نقطة تحول كبرى، حيث ظهرت صناديق أسواق النقد والدخل الثابت، ثم صناديق الأسهم، وصولاً إلى صناديق الذهب، وهو ما ساعد على تنويع الأدوات المتاحة أمام المستثمرين، وزاد من جاذبية سوق المال.
واعتبر أن هذه الطفرة لم تكن لتتحقق لولا سلسلة التشريعات المتتابعة التى أصدرتها الهيئة العامة للرقابة المالية لدعم هذا المسار.
ولفت إلى أن التدهور فى قيمة الجنيه المصرى وارتفاع معدلات التضخم دفعا المستثمرين الأفراد إلى البحث عن بدائل أكثر أماناً وقدرة على حفظ القيمة.. لكن المشكلة كانت فى أن كثيراً من مقدمى الخدمات الاستثمارية فى تلك الفترة إما غير مرخصين وإما يعملون خارج الإطار الرسمى المنظم، الأمر الذى فرض ضرورة تدخل الهيئة لإرساء قواعد واضحة لحماية المستثمرين وتنظيم النشاط.
وأوضح «أبوالسعد» أن العقار يظل من أبرز الأصول التى يتجه إليها المصريون تاريخياً، إلى جانب الذهب، وهو ما فرض الحاجة إلى تنظيم الاستثمار فيه عبر الصناديق العقارية، خصوصاً مع بروز مفهوم «التملك الجزئى» الذى بدأت بعض الشركات والمطورين فى تطبيقه.
وأكد أن التشريع الأخير للهيئة جاء ليضع هذا النشاط على أسس تنظيمية متينة تتيح تفعيله بشكل آمن ومستدام.
وأضاف أن التحدى الأبرز الذى يواجه المنظومة الجديدة يتمثل فى مسألة توفير السيولة للمستثمرين، فالعقار ـ على عكس الذهب ـ لا يتمتع بالسهولة ذاتها فى إعادة التسييل أو البيع فى السوق الثانوى، وهو ما كان يثير مخاوف المستثمرين.
وأوضح «أبوالسعد»، أن التشريع الأخير عالج هذه الإشكالية جزئياً من خلال السماح للصناديق بزيادة رؤوس أموالها بشكل دورى وإصدار وثائق جديدة لتغطية طلبات الاسترداد، وهو ما يمنحها مرونة أكبر شبيهة بعمل الصناديق المفتوحة.
وأشار إلى أن نشرات الاكتتاب ستكون المرجع الأساسى لآليات الخروج من الصندوق، سواء عبر تحديد فترات زمنية واضحة أو وضع شروط أخرى يقررها مدير الصندوق، مؤكداً أن القانون لم يفرض صيغة واحدة بل ترك الحرية للمنتج الاستثمارى ليحدد آلية الخروج بما يتناسب مع طبيعة استثماراته.
كما شدد «أبوالسعد»، على أهمية وجود شركة مصر للمقاصة كطرف رئيسى فى عمليات الحفظ والتسوية، مؤكداً أن هذا الدور يضمن انضباط عمليات نقل ملكية الوثائق والشفافية الكاملة فى التداول، ما يقلل من التحديات التى قد تفرضها طبيعة الصناديق العقارية كونها كيانات مغلقة.
واختتم بالتأكيد على أن نجاح التجربة الجديدة مرهون بجودة التنفيذ، قائلاً إن أى منظومة نصفها يدوى ونصفها إلكترونى لن تنجح، بينما إذا جرى التطبيق بشكل رقمى كامل ومنضبط فإن التجربة سيكون لها أثر بالغ على السوق العقارى وسوق المال المصرى معاً، وستمثل نقلة نوعية فى مسار الاستثمار المؤسسى والجزئى على حد سواء.
التجارب العالمية
وحول التحديات الأخرى التى تواجه الملكية التشاركية فى العقارات، أوضح أيمن الصاوي، المؤسس، الرئيس التنفيذى لشركة بكرة القابضة، رؤيته حول مستقبل صناديق الاستثمار العقارى فى السوق المصرى، مؤكداً أنها تمثل إضافة جوهرية للسوق وأداة تمويلية قادرة على استقطاب شرائح واسعة من المستثمرين إذا ما جرى تطبيقها وفق قواعد واضحة وفصل تام بين الأدوار المختلفة.
وأوضح «الصاوى» فى كلمته بالجلسة الثانية من مؤتمر ثينك كوميرشال المنعقدة نسخته الثامنة تحت عنوان «صناعة العقار.. تقود الاستثمار والتصدير»، أن التجارب العالمية أكدت أن المطور العقارى يجب أن ينحصر دوره فى تطوير المشروعات وبيعها، بينما تظل المهام التمويلية والاستثمارية منوطة بكيانات متخصصة فى إدارة الأصول وإدارة الصناديق.
وقال إن هذا الفصل بين الأدوار لا يقتصر على كونه مطلباً تنظيمياً فقط، بل هو عنصر أساسى لضمان حماية حقوق المستثمرين وتجنب أى تضارب محتمل فى المصالح.
وأضاف أن قرار الهيئة العامة للرقابة المالية الأخير فتح المجال أمام تأسيس صناديق الاستثمار العقارى يمثل خطوة محورية، ليس فقط لإتاحة أدوات تمويلية مبتكرة، وإنما أيضاً لجذب شرائح جديدة من المستثمرين وإدخالها إلى السوق، ما يعزز عمق الاقتصاد المصرى ويزيد من كفاءته.
وشدد «الصاوى»، على أن المنافس الحقيقى لصناديق الاستثمار العقارى لن يكون فقط بين أدوات التمويل العقارى الأخرى، بل مع الأدوات التقليدية مثل الدولار والودائع البنكية، إذ يقارن المستثمر الفرد دائماً بين عوائد الاستثمار العقارى والعائد من الشهادات البنكية أو الاحتفاظ بالعملة الأجنبية، وهو ما يفرض على مديرى الصناديق ابتكار إستراتيجيات استثمارية تحقق عوائد جاذبة وتنافسية.
وأشار إلى أن طبيعة الأصول العقارية ذاتها تفرض ضرورة وجود إدارة متخصصة، لافتاً إلى أن العقارات السكنية تختلف عن الإدارية أو الطبية أو اللوجستية، ولكل منها متطلبات وخطط تشغيل خاصة بها، وبالتالى فإن نجاح الصناديق مرهون بوجود إستراتيجيات متخصصة قادرة على تلبية هذه الخصوصيات وتعظيم العائد للمستثمرين.
وأكد «الصاوى» أن السوق المصرى لا يزال فى بدايته على صعيد هذه الأدوات التمويلية، لكن فرصة النمو كبيرة خلال السنوات المقبلة شريطة الالتزام الصارم بمبادئ الحوكمة والشفافية، وهو ما من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين المحليين ويفتح المجال أمام تدفقات جديدة من المستثمرين الأجانب الباحثين عن قنوات استثمارية مستقرة وذات عائد مستدام.
فرصة استثنائية
وشهدت الجلسة، تفاعلاً لافتاً من الحضور، أبرزت كيف يمكن لصناديق الاستثمار العقارى أن تتحول إلى محور رئيسى فى تمويل المشروعات العقارية المصرية، خاصة مع تطور البنية التشريعية والرقابية وتزايد رغبة السوق فى تنويع أدواته التمويلية بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية.
واتفق معه إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة مباشر كابيتال، قائلاً إن السوق المصرى أمامه فرصة استثنائية لتبنى مجموعة من الأدوات المالية المبتكرة التى يمكن أن تعيد تشكيل خريطة الاستثمار بشكل جذرى خلال السنوات المقبلة، وعلى رأسها صناديق الاستثمار العقارى (REITs)، والتمويل الجماعى (Crowdfunding)، ونظام التملك الجزئى (Fractional Ownership) الذى يعتمد على تحويل الأصول العقارية إلى رموز رقمية قابلة للتداول.
وأوضح «رشاد» أن هذه الأدوات تمثل قمة ما وصلت إليه التكنولوجيا المالية العالمية، مشيراً إلى أن إدخالها إلى السوق المحلى لا يعنى فقط تنويع الأدوات الاستثمارية المتاحة، وإنما يفتح المجال أمام ملايين المصريين ـ داخل وخارج البلاد ـ للمشاركة فى استثمارات عقارية كانوا محرومين منها سابقاً بسبب ارتفاع الحد الأدنى للدخول.
وأضاف أن جوهر الفكرة يكمن فى إمكانية الاستثمار بمبالغ صغيرة تبدأ من 10 أو 100 جنيه فقط، وهو ما سيؤدى إلى توسيع قاعدة المستثمرين بشكل غير مسبوق، حيث ترتفع النسبة من شريحة لا تتجاوز 2 ـ 3% من المصريين حالياً إلى ما قد يصل إلى 30 ـ 40%، أى ما يعادل أكثر من 30 مليون شخص.
وأكد أن هذا التحول سيكون بمثابة نقلة نوعية فى بنية الاقتصاد المصرى، لأنه سيحوّل الاستثمار العقارى من أداة نخبوية إلى أداة جماهيرية تتيح الفرصة لصغار المدخرين إلى جانب المستثمرين الكبار.
أشار «رشاد» إلى أن العقار ظل لعقود طويلة الأداة الاستثمارية الأكثر أماناً والأقرب لثقة المواطن المصري، لافتاً إلى أن إشراك شرائح واسعة من المجتمع فى الاستثمار العقارى عبر أدوات مالية منظمة ومرنة سيؤدى إلى تعزيز حجم التمويل الموجه للقطاع وتنشيط السوق بشكل كبير، بما يدعم خطط الدولة فى التوسع العمرانى وتطوير البنية التحتية.
وأضاف أن «مباشر كابيتال» تمتلك قاعدة عملاء ضخمة ومتنوعة بدأت رحلتها مع الشركة عبر الاستثمار فى الأسهم، ثم الصناديق الاستثمارية، تلتها منتجات الذهب، وصولاً إلى العقارات، وهو ما يضع الشركة ـ بحسب قوله ـ فى موقع قوى لتقديم هذه الأدوات الجديدة، بفضل خبرتها فى إدارة الأصول وتكامل خدماتها المالية.
ولفت «رشاد» إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية كان لها دور محورى فى تهيئة البيئة التشريعية لهذه الخطوات، حيث بدأت منذ عام 2019 فى تسريع إصدار القوانين واللوائح المرتبطة بالتكنولوجيا المالية، وصولاً إلى صدور القانون فى عام 2024، وهو ما اعتبره مجرد بداية لمرحلة أوسع من التطوير والتوسع فى أدوات التمويل العقارى المبتكرة.
أضاف أن نجاح هذه التجربة يتطلب تكاملاً بين التكنولوجيا المتطورة والرقابة الفعالة، إلى جانب التوعية المستمرة للمستثمرين، حتى يدركوا طبيعة هذه الأدوات ومخاطرها وعوائدها، مشدداً على أن المستقبل يحمل فرصة تاريخية لتوسيع قاعدة الملكية العقارية عبر حلول رقمية مبتكرة تجعل الاستثمار متاحاً للجميع، وليس حكراً على فئة محدودة.
المنصات العقارية
قالت عبير عصام، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقارى، إن المنصات العقارية باتت تمثل فرصة حقيقية لفتح آفاق جديدة أمام المطورين لزيادة حجم المبيعات وتنويع قنوات التسويق، لكنها شددت على أن السؤال الأهم لا يتعلق بمدى جدوى هذه المنصات فقط، وإنما بكيفية تعامل المطورين معها، خاصة فى حال طلبت المشاركة فى استثمارات المشروعات العقارية، سواء عبر الاستحواذ على حصص أو تمويل جزء من مراحل التطوير.
وأضافت «عصام»، أنها كانت تتساءل دائماً عن هوية العملاء الذين تستهدفهم هذه الصناديق والمنصات، وما هى المعايير التى يتم على أساسها اختيار المشروعات، وهل يتم ذلك وفقاً لموقع المشروع أو حجم المطور أو نوعية المنتجات العقارية أو حتى السمعة فى السوق.
وأكدت أن المطورين يتطلعون لأن تكون هذه المنصات أداة تساعد على فصل الإدارة عن رؤوس الأموال، بعد أن أرهقت السوق كثيرًا مشاكل الإدارة المباشرة للمبيعات والأصول.
وتابعت أن المطورين تعلموا من تجارب سابقة لم تكن ناجحة، مشيرة إلى أن تجربة «ابنى بيتك بإيدك» فى مدينة السادس من أكتوبر كانت من أكثر التجارب سلبية، إذ اختفى القائم على المشروع وأغلق مكاتبه، ليجد المشترون أنفسهم فى مواجهة مباشرة مع ملاك الأراضى الأصليين، وهو ما ترتب عليه نزاعات كبيرة فى السوق.
وأكدت أن هذه الملفات لا تزال تصلها بصفتها عضو مجلس إدارة جمعية مستثمرى السادس من أكتوبر، وما زالت الجمعية تحاول حتى اليوم احتواء آثار تلك الشراكات التى تمت مع أطراف غير محترفة.
أشارت «عصام»، إلى أن بعض النماذج الصغيرة قد نجحت فى البداية، مثل مشروع شارك فيه 20 فرداً لشراء لودر وبنوا به 20 عمارة فى منطقة حدائق الأهرام ثم توسعوا لاحقاً، لكن سرعان ما واجهت هذه النماذج صعوبات فى التوسع الكبير بسبب غياب الخبرة وضعف القدرة الإدارية.
وأضافت أن هذه التجارب غير المدروسة أدت فى بعض الأحيان إلى ظواهر خطيرة تشبه نموذج «المستريح»، بعدما عجز الأفراد عن إدارة الأموال بالشكل الصحيح، وهو ما انعكس سلباً على ثقة السوق وزاد من مخاوف المطورين.
وأكدت أنها شاركت فى هذه الجلسة لا من باب النقد فقط، وإنما رغبةً فى الاطلاع على أفكار جديدة تساعد المطورين على الترويج لمشروعاتهم بطرق مختلفة، مشيرة إلى أن النقاشات التى طرحت أضافت لها آفاقاً مهمة يمكن أن تسهم فى توفير الوقت والجهد والمال، إلى جانب حماية استثمارات الشركات العائلية.
واختتمت كلمتها بالتأكيد على أن الجيل الثانى من أبناء الشركات العائلية لن يستطيع أن يبذل الجهد ذاته الذى بذله المؤسسون للحفاظ على استثماراتهم، وهو ما يجعل الاتجاه إلى هذه المنصات العقارية ضرورة ملحّة لضمان استمرارية الشركات وحماية ثروات الملاك.
كما وجهت الشكر للحضور على ما تم طرحه من أفكار مهمة تثرى السوق وتفتح مسارات جديدة للمستقبل.
تحديات تأسيس الشركات
ووجه مدير الجلسة سؤالاً إلى حسام جرامون، الشريك بشركة أدسيرو للمحاماة حول التحديات التى تواجه المكاتب القانونية فى التأسيس، ليوضح بدوره أن تجربة تأسيس الشركات المتخصصة فى الاستثمار العقارى بالشراكة مع الهيئة العامة للرقابة المالية تمثل خطوة إيجابية ومهمة، مؤكدًا أن سرعة استجابة الهيئة لمتطلبات السوق وتبنيها نماذج الأعمال الجديدة عكست رغبة حقيقية فى دعم أدوات مالية مبتكرة قادرة على خدمة الاقتصاد.
وأوضح أن النموذج الحالى للصناديق العقارية لا يقتصر على الاستثمار فى الوحدات السكنية بغرض المضاربة أو إعادة البيع فقط، وإنما يشترط القانون تنمية وتطوير الأصول العقارية بما يحقق عوائد مستدامة وطويلة الأجل لحملة الوثائق.
وأشار إلى أن هذا التطور يفتح الباب أمام دخول استثمارات متنوعة تشمل قطاعات جديدة تتجاوز السكن والإدارة إلى مجالات أكثر ارتباطًا بالاحتياجات المجتمعية.
وأضاف «جرامون»، أن المنافسة المتوقعة بين مديرى الاستثمار لن تكون على حجم الأموال فقط، وإنما على جودة المحافظ الاستثمارية وقدرة كل مدير على تحقيق توازن بين العائد والمخاطر. لكنه لفت إلى أن بعض القطاعات الحيوية ما زالت مغلقة أمام هذا النموذج، مثل التعليم والرياضة والصحة، وذلك بسبب القيود التشريعية والتنظيمية المرتبطة بملفات التراخيص والإجراءات، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للتشريعات المنظمة لتلك القطاعات بما يتيح فتحها أمام استثمارات الصناديق العقارية.
وأكد أن الهيئة قامت بدور محورى فى وضع الإطار القانونى عبر المنصة الإلكترونية للتداول، والتى تمثل خطوة جوهرية لرقمنة وتبسيط إجراءات الاستثمار، إلا أن هذا لا يكفى بمفرده.
وأوضح أن تطبيق مفهوم الملكية التشاركية يحتاج إلى تنسيق واسع مع جهات وزارية وتشريعية أخرى لتذليل العقبات، خاصة فى ظل استمرار الاعتماد على إجراءات تقليدية مثل الشهر العقارى التى تعرقل سرعة التنفيذ وتجعل التجربة أقل جذبًا للمستثمرين.
أشار «جرامون»، إلى أن هناك اهتمامًا متزايدًا من الصناديق العقارية بالقطاعين التعليمى والصحي، مؤكدًا أنهما من أكثر القطاعات استقرارًا وربحية حتى فى أوقات الأزمات الاقتصادية.
وأضاف أن الاستثمار فى هذه القطاعات لا يعد فقط فرصة لتحقيق عوائد جيدة، بل يمثل أيضًا أولوية استراتيجية لارتباطه المباشر بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وهو ما يضمن استدامة الطلب ويعزز من ثقة المستثمرين.
واختتم «جرامون» كلمته بالتأكيد على أن تطوير البيئة التشريعية لتتلاءم مع هذا النموذج الجديد من الاستثمار سيجعل السوق المصرى أكثر قدرة على استيعاب أدوات مبتكرة، كما سيوفر منصة متكاملة قادرة على جذب شريحة واسعة من المستثمرين المحليين والأجانب، وهو ما سينعكس إيجابًا على القطاع العقارى وعلى الاقتصاد ككل.
ووجه مدير الجلسة التساؤل إلى آسر حمدى عضو اللجنة السياحية بغرفة التجارة الأمريكية، حول إمكانية أن تسهم الصناديق العقارية فى توسع القطاع الفندقى فى مصر.
وأكد «حمدى»، أن صناديق الاستثمار العقارى تمثل إحدى الأدوات الحديثة القادرة على إحداث نقلة نوعية فى تطوير القطاع السياحى والفندقى فى مصر، فضلاً عن قدرتها على التوسع فى القطاعات الإدارية والطبية، إذا ما جرى تفعيلها بالشكل الأمثل.
وأوضح أن القطاع الفندقى تحديداً يعد من أبرز القطاعات التى تحتاج إلى قنوات تمويلية مرنة ومستقرة، نظراً لأن إنشاء وتشغيل الفنادق يتطلب استثمارات ضخمة ورؤوس أموال طويلة الأجل، وغالباً ما يواجه المستثمرون تحديات فى تدبيرها عبر الأدوات التقليدية.
وأشار إلى أن صناديق الاستثمار العقارى يمكن أن توفر هذا النوع من التمويل، بما يضمن استدامة المشروعات ورفع كفاءة التشغيل.
لفت «حمدى»، إلى أن التجارب العالمية تؤكد أن الفنادق والمرافق السياحية تعد من أبرز الأصول التى تلجأ إليها الصناديق العقارية، حيث تحقق تدفقات نقدية مستقرة وعوائد جيدة على المدى الطويل، وهو ما يتيح للمستثمرين المؤسسيين والأفراد المشاركة فى قطاع كان فى السابق مقصوراً على المطورين الكبار أو الشركات المالكة للسلاسل الفندقية.
وأضاف أن قطاع العيادات الطبية والمنشآت الصحية لا يقل أهمية عن الفندقي، إذ يشهد نمواً متسارعاً مع زيادة الطلب على الخدمات الصحية، وهو ما يفتح المجال أمام صناديق الاستثمار العقارى للدخول فى تمويل المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية المتخصصة.
وأوضح أن هذه الأصول ذات طبيعة خاصة، إذ تتمتع بقدرة على توليد إيرادات مستمرة، ما يجعلها جاذبة للمستثمرين الباحثين عن عوائد مستقرة، كما أنها تتماشى مع الاتجاه العالمى نحو الاستثمار فى القطاعات المرتبطة بجودة الحياة.
كما أشار إلى أن المبانى الإدارية تمثل مجالاً آخر واعداً للصناديق العقارية، خاصة فى ظل الطفرة العمرانية التى تشهدها مصر وظهور مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة.
ولفت إلى أن الطلب المتزايد على المساحات الإدارية من الشركات المحلية والعالمية يوفر فرصاً كبيرة لهذه الصناديق، بما يسهم فى زيادة المعروض وتحقيق التوازن فى السوق.
وشدد «حمدى»، على أن التوسع فى هذه القطاعات يتطلب توافر عنصرين أساسيين: الأول هو الحوكمة والشفافية الكاملة لضمان ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، والثانى هو وجود إدارة متخصصة لكل فئة من الأصول، حيث إن إدارة فندق تختلف عن إدارة مبنى إدارى أو منشأة طبية، وكل منها يحتاج إلى خبرة متعمقة واستراتيجية تشغيلية واضحة.
واعتبر أن دخول صناديق الاستثمار العقارى إلى هذه المجالات سيكون له أثر مباشر فى زيادة حجم الاستثمارات السياحية والفندقية والطبية فى مصر، كما يسهم فى تنويع هيكل التمويل المتاح أمام هذه القطاعات، ويعزز من تنافسيتها على المستوى الإقليمى.
أكد «حمدى»، أن التوقيت الحالى مثالى لتفعيل هذه الأداة، فى ظل الدعم الحكومى لقطاع السياحة والرغبة المتزايدة من المستثمرين فى الدخول إلى استثمارات طويلة الأجل مدعومة بأصول حقيقية.
وأشار إلى أن مصر تمتلك فرصة كبيرة لتكون من أبرز الأسواق الناشئة فى مجال الصناديق العقارية، إذا ما تم استغلال هذه الأداة بفاعلية، وربطها بالقطاعات الحيوية كالسياحة والصحة والخدمات الإدارية، بما يحقق التوازن بين العائد الاستثمارى والمردود الاقتصادى للدولة.
إعادة تشكيل الحصص السوقية
وتطرق محمد راشد، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري، إلى الدور المتنامى للاستثمار التشاركى فى إحداث تحول جوهرى داخل القطاع العقارى المصرى، مؤكداً أن هذه الآلية قادرة على إعادة تشكيل الحصص السوقية بين الشركات، عبر جذب شرائح واسعة من المستثمرين الأفراد الذين لم يكن لهم حضور فعّال فى السوق من قبل.
وأوضح «راشد» أن الاستثمار التشاركى لا يقتصر على إتاحة فرص التمويل فحسب، بل يغير من طبيعة الاستثمار فى العقارات الخدمية والفندقية على وجه التحديد، إذ يتيح مشاركة المستثمرين الأفراد فى مشروعات كانت حبيسة رؤوس الأموال الكبيرة. وأضاف أن وجود آليات واضحة للتطبيق، إلى جانب جهة رقابية مسئولة عن متابعة تنفيذ التمويل، يمنح المستثمرين قدراً أكبر من الطمأنينة والثقة.
وأشار إلى أن المادة 27 من قانون سوق المال تمثل طفرة نوعية؛ إذ سمحت بتحويل الأصل الثابت العقارى إلى ورقة مالية قابلة للتداول، وهو ما يفتح الباب أمام التعامل مع العقار كأصل مالى سيجذب شريحة جديدة من المستثمرين والمتعاملين فى السوق.
واعتبر أن هذه الخطوة ستنعكس إيجابياً على معدلات السيولة وتفتح المجال أمام تداول الأصول العقارية بطريقة أكثر مرونة وشفافية.
ولفت «راشد»، إلى أن الآليات الجديدة ستكون بمثابة «فلتر» للسوق، بحيث تدفع الشركات العقارية المتوسطة والصغيرة إلى الالتزام بمستويات أعلى من الحوكمة والشفافية، وهو ما يعزز من قوة القطاع ككل ويرفع من معايير المنافسة.
وأكد أن مصر بحاجة إلى الانفتاح على التجارب العالمية فى مجال صناديق الاستثمار العقارى، والعمل على بناء شراكات بين الصناديق المحلية ونظيراتها الدولية، بما يسهم فى إدخال استثمارات أجنبية مباشرة ويعزز من تنوع الأدوات التمويلية.
وذلك يتطلب بلا شك تطورات تشريعية مرتقبة، لتوفير بيئة قانونية وتنظيمية متوافقة مع الممارسات العالمية وتلبى طموحات السوق المحلى.
قال «راشد»، إن هذه التحولات التشريعية والتنظيمية تمثل فرصة حقيقية لإعادة هيكلة السوق العقارى المصرى على أسس أكثر استدامة، عبر دمج أدوات مالية مبتكرة تضمن مشاركة أوسع من المستثمرين وتعزز قدرة السوق على النمو والتوسع فى المرحلة المقبلة.
إدارة الأصول
قال أيمن سامى مدير مكتب جى إل إل للاستشارات العقارية، إن ما يشهده السوق المصرى من تنظيمات جديدة يعد خطوة فى الاتجاه الصحيح، مشيراً إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية تبذل جهداً كبيراً فى هذا الصدد من أجل مواكبة التطورات العالمية فى قطاع الاستثمار العقارى.
وأوضح أن تجربة الملكية التشاركية (Fractional Ownership) ليست وليدة السوق المصرى فقط، وإنما موجودة بالفعل فى عدد من الأسواق الخارجية، غير أنها ما زالت محدودة الحجم عالمياً؛ إذ يتراوح حجمها ما بين 9 و30 مليار دولار فقط، وهو رقم صغير للغاية إذا ما قورن بحجم رؤوس الأموال المتداولة فى السوق العقارى العالمى الذى يتجاوز 730 مليار دولار.
أشار «سامى» إلى أن هذه التجربة بدأت فى الخارج لسبب مشابه لما يحدث فى مصر، وهو ارتفاع أسعار الوحدات العقارية وعدم قدرة الأفراد على تحمل كلفتها بالكامل، ما دفع المستثمرين للاتجاه إلى الشراكة فى الملكية.
وضرب مثالاً بالفيلات الساحلية التى يصل سعر الواحدة منها إلى مليون دولار، بينما لا يستخدمها الملاك سوى لفترات قصيرة، وهو ما دفع لتأسيس شركات ذات مسؤولية محدودة تتولى إدارة تلك الأصول وتوزيع ملكيتها بين عدد من الأفراد.
واستعرض توزيع الاستثمارات العقارية عالميًا خلال عام 2024، حيث استحوذت المبانى الإدارية على نحو ثلث الاستثمارات، مقابل 24% للمبانى السكنية، و19% فى قطاع التجزئة، و12% فى القطاع الصناعى واللوجيستى، بينما لم يحصد قطاع الفنادق سوى 11% فقط نتيجة الأوضاع الاقتصادية وتراجع السياحة.
لكنه أكد أن قطاعى السكن والفنادق مرشحان لتحقيق نمو قوى خلال السنوات المقبلة مع تحسن المؤشرات الاقتصادية عالمياً.
وأضاف أن التكنولوجيا أصبحت عنصراً جوهرياً فى الأسواق العالمية، إذ تُستخدم المنصات الإلكترونية على نطاق واسع، فى حين أن تقنيات التوكنيزيشن المرتبطة بالعملات المشفرة لم تدخل السوق المصرى بعد، ما يفتح المجال أمام تطورات مستقبلية كبيرة.
وتابع أن الذكاء الاصطناعى يمثل ثورة حقيقية فى مستقبل الاستثمار العقارى، موضحاً أن شركته استحوذت عام 2021 على أداة تحليلية متقدمة باسم «سكاى لاين»، قادرة على تحليل بيانات ضخمة تشمل 400 ألف وحدة عقارية و300 مؤشر بيانات وأكثر من 10 آلاف نقطة تحليلية مختلفة.
وأكد أن هذه الأداة تختصر زمن تقييم المخاطر واختيار الأصول من شهور أو سنوات إلى ساعات معدودة فقط.وأوضح سامى أن «سكاى لاين» قادرة على التعامل مع أكثر من 25 تريليون نقطة بيانات، وهو حجم معلومات يستحيل على المحللين البشر معالجته يدويًا، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعى يمكنه دمج مختلف مصادر المعلومات المتضاربة فى السوق العقاري لإنتاج رؤية موحدة وموضوعية تدعم قرارات الاستثمار.
وأكد أن شركته تستخدم هذه التكنولوجيا لدعم فرق أسواق المال فى اتخاذ قرارات الشراء والبيع لصالح العملاء، حيث أصبحت النتائج التى كانت تحتاج إلى شهور من الدراسة متاحة فى غضون خمس ساعات فقط، معتبرًا ذلك نقلة نوعية فى أدوات تقييم الاستثمارات العقارية عالميًا.
وكشف سامى أن هناك عملًا مشتركًا يجرى حاليًا فى مصر مع بعض الجهات الرسمية لإعداد مشروع قانون خاص بالذكاء الاصطناعي، موضحًا أن مشروع القانون يتضمن أبوابًا متعددة تنظم استخدامات التكنولوجيا المتقدمة فى مختلف القطاعات.
وشدد على أن صدور هذا القانون سيكون خطوة فارقة لمواكبة التطورات العالمية وتوظيفها فى خدمة الاقتصاد المصري، لا سيما فى القطاع العقارى الذى يتطلب أدوات أكثر تطورًا لتحليل المخاطر وتعظيم العوائد.
أدوات جديدة للتقسيط
وتحدث أيمن عبدالحميد، العضو المنتدب ونائب رئيس شركة التعمير للتمويل العقارى «الأولى» قائلا: «عندما بدأنا النقاش حول كيفية الاستفادة من التمويل العقارى فى مجال الملكيات المشتركة، كان تركيزنا على الآليات والحلول التى يمكن أن تقدم قيمة مضافة للسوق.
الفكرة لا تحتاج إلى تشريع جديد بقدر ما تحتاج إلى تطوير منتج مبتكر لإدارة المشروعات داخل المحافظ، خاصة أن جزءًا كبيرًا من المحافظ الحالية تتم إدارته بالفعل من خلال الهيئة بموجب قانون 148، ومع تعديلات القانون بقانون 55 تغيرت الرؤية وأصبح هناك مساحة أكبر للتحرك.»
وأضاف: «نحن بحاجة إلى صياغة أدوات جديدة للتقسيط، بحيث يمكن للمشترى أن يسدد قسطًا شهريًا لشراء ربع وحدة سكنية مثلًا. هذا النموذج سيتيح له فى النهاية امتلاك أصل حقيقي، وفى الوقت نفسه يوفر إيرادًا يمكن أن يساعده على الاستمرار فى سداد الأقساط.
وأشار إلى أن «المعادلة الاقتصادية تتغير بسرعة شديدة فى ظل ما يشهده العالم، وإذا استطعنا أن نطور منتجات تمويلية تواكب هذه التغيرات، فإن الهيئة سيكون أمامها فرصة لإطلاق أدوات قريبة جدًا من فكرة المشاركة، وهو ما يمثل إضافة قوية للسوق العقاري».
وتابع: «المستثمر الذى يدفع ألف جنيه شهريًا على سبيل المثال، سيحصل فى النهاية على قيمة أكبر تحقق له عائدًا، وفى الوقت نفسه يرتبط استثماره بأصل ملموس مثل المبنى أو الوحدة».
واختتم «عبدالحميد» حديثه قائلاً: «المشكلة الرئيسية التى نواجهها اليوم فى التمويل العقارى هى أن 75% من قيمة الوحدة السكنية يتم توجيهها للأغراض التشاركية، وهو ما يتطلب حلولًا أكثر مرونة حتى نتمكن من فتح الباب لشرائح جديدة من المستثمرين والمشترين».