أسواق

التضخم يدفع مبيعات العطور بعيداً عن«البراندات»

«الأورجينال» فى الأسواق الفاخرة بين 10 و27 ألف جنيه.. و«الكوبى» يبدأ من 1300 جنيه

تسبب التضخم فى دفع مستهلكى العطور بعيداً عن العلامات الفاخرة الأصلية، ليلجأوا نحو شراء العطور المركبة، خصوصاً أن العطور ليست سلعة أساسية.

البداية كانت من وسط أزقة الجامع الأحمر فى منطقة العتبة بالقاهرة، وهى الأزقة المشهورة بالعطور، تتناثر المحال التى تفوح بروائح ساحرة تجذب المارة، لكن تختبئ خلفها قصة سوق يتأرجح بين الرواج والتحديات.

«فهمى»: الأسعار قفزت بين 20 و25% العام الجارى

يشكو سعد بكر، صاحب متجر عطور بالمنطقة، إجراءات شحن البضاعة الخاصة به إلى دول أخرى، قائلاً: «قد تستغرق 6 أشهر، وهناك أيضاً صعوبات فى خروج الخامات إلى دول أفريقية مثل تشاد التى كانت تعتمد على السوق المصرى حتى وقت قريب فى العطور المركبة، ولكنها لجأت إلى أسواق بديلة مثل دبى».

وأوضح لـ«البورصة»، أن الخامات تُستورد من سويسرا وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا، ويبدأ سعر الكيلو الخام من 3500 جنيه، فى حين تتراوح أسعار العبوات بين 60 و70 جنيهاً.. لكنها قد ترتفع قليلاً مع زيادة التركيز أو اختلاف النوع، مبيناً أن الأسعار شهدت زيادة تتراوح بين 15% و20% مقارنة بالعام الماضى.

أما عبدالرحمن القاضى، صاحب متجر مجاور، فيبرهن على تغيُّر خريطة مستهلكى العطور بالعديد من الفئات التى باتت عازفة عن الشراء، فـ«ارتفاع الأسعار أدى إلى لجوء فئات كثيرة للتركيب».

وأوضح أن العطور المركبة باتت بديلاً اقتصادياً وجيداً مقارنة بالبرفانات العالمية مرتفعة الأسعار، مشيراً إلى أن الزيوت العطرية تستورد من فرنسا وإسبانيا وألمانيا، ولا تقتصر على العطور فقط؛ بل تدخل فى صناعات أخرى.

أما يارا حسن، التى تعمل فى متجر ثالث، فتقسم العملاء بين باحث عن السعر المناسب ومهتم بجودة الخامة، وبين باحث عن الأرخص.. والفئة الأخيرة تمثل الشريحة الكبرى.

وأوضحت أن أكثر الأحجام مبيعاً هى عبوات 50 و30 مل، بينما شهدت الأسعار زيادة بلغ متوسطها نحو 150 جنيهاً خلال العام الحالى مقارنة بالعام السابق.

أضافت أن السوق يشهد إقبالاً يتركز على التركيبات الخاصة مقارنة بـ«البراندات» المعروفة، مشيرة إلى أن أكبر تحدٍ يواجه القطاع يتمثل فى ارتفاع أسعار الخامات المستوردة، ما يدفعهم لزيادة سعر المنتج النهائى.

ويجزم محمد عمار، صاحب متجر عطور، بأن الوضع الحالى للقطاع أضعف مما كان عليه قبل 5 سنوات، مُرجعاً ذلك إلى طبيعة العطور كسلعة ترفيهية تعتمد على القدرة الشرائية للمستهلكين الذين أثرت عليهم الضغوط الاقتصادية، رغم الاستقرار الملحوظ فى الأسعار منذ العام الماضى.

ويقول أحمد على، صاحب متجر، إن الأعياد الدينية وشهر رمضان وعيد الحب المحرك الرئيسى للشراء، موضحاً أن الخامات تستورد من فرنسا وسويسرا، معتبراً الأخيرة الأكثر تميزاً، بينما تستورد العبوات الزجاجية من الصين، وتبدأ أسعار العبوات الأكثر طلباً بأحجام 50 و100 مل من 100 جنيه، وقد تصل بعض أنواع الخامات إلى 20 ألف جنيه للكيلو.

الأسواق الفاخرة

فى مقابل الأسواق الشعبية، تجولت «البورصة» بين عملاء الأسواق الفاخرة وأحدها «مول كايرو فيستيفال سيتى» بالتجمع الخامس شرق القاهرة.

وتظهر العطور «الأورجينال» بأسعار تصل إلى 27.500 جنيه للعبوة، مثل «جوبليشن مان 40» و«ديا وومان 40» و«أوبوس 15 كينج بلو» و«جايدانس 46».

وتليها مجموعة عطور بمتوسط 18 ألف جنيه، وعلى رأسها «نواب أوف عود إنتنسيفو» و«مونتاباكو إنتنسيفو»، إضافة إلى عطر إنترلود مان أو دى بارفان (100 مل) الذى يتم بيعه للعملاء بسعر 19.750 جنيه.

وحسب جولة «البورصة»، تراوحت أسعار بعض العطور الفاخرة بين 14 و16 ألف جنيه، مثل «إكزكلوسيف فينيجيا دى بارفان» و«أورموندى وومان» بـ14،500 جنيه، إضافة إلى «داما بيانكا» بـ16.040 جنيه، بينما تم رصد شريحة أقل سعراً، بين 10 و12 ألف جنيه، مثل «جيلتى بور فام» بسعر 10،900 جنيه، و«ليفانت» بـ10.750 جنيه.

وظهر إقبال كبير على العطور المقلدة (كوبى) ببعض المحال، باسعار بين 2.797 جنيه، و1،300 جنيه.

الصناعة بين المستورد والمحلى

يقف التصنيع المحلى بين دفتى الاستيراد والمنتج المحلى.

فحسبما يقول سامح فوزى، صاحب الشركة الخليجية للعطور، فإن التصنيع المحلى يقوم على مزيج من الخامات المحلية والمستوردة؛ إذ تمثل الأخيرة نحو 70% من إجمالى المنتج، مضيفاً أن سوق العطور فى مصر يشهد نمواً.

«المهدى»: دعم الدولة للقطاع أسهم فى جذب مستثمرين جدد

وأشار أيمن المهدى، صاحب مصنع توينز للعطور، إلى نمو سوق العطور فى مصر خلال السنوات الأخيرة، موضحاً أن العطور أصبحت جزءاً أساسياً من ثقافة المستهلك، ولم تكن موجودة قبل 20 عاماً، وأسعارها لم تشهد زيادة منذ العام الماضى، لارتباطها بالدولار.

وأوضح لـ«البورصة» أن مصنعه يعتمد على مواد خام مستوردة من فرنسا، مضيفاً أن الدولة حالياً تشجع الصناعة وتدعمها مقارنة بفترات سابقة، ما أسهم فى تحفيز المستثمرين لدخول القطاع، لا سيما أن صناعة العطور فى مصر لا تزال ناشئة لكنها تمتلك فرصاً واعدة للنمو، متوقعاً أن تصل خلال فترة قريبة لمستوى المنافسة مع دول مثل تركيا.

وقال مصطفى فهمى، صاحب مصنع توب هير للعطور، إن السوق المحلى شهد نمواً وتطوراً ملحوظين خلال الفترة الأخيرة، مضيفاً أن أسعار العطور ارتفعت خلال العام الحالى بنسبة تتراوح بين 20 و25% مقارنة بالعام الماضى، نظراً إلى زيادة أسعار المواد الخام المستوردة وارتفاع الرسوم الجمركية والضرائب.

«الجندى»: سوق العطور فى مصر يشهد منافسة كبيرة

وقال أشرف الجندى، مدير مبيعات مصانع عطور قسمة والشبراويشى، إن سوق العطور فى مصر يشهد منافسة كبيرة بين شركات القطاعين العام والخاص، وذلك يعود بالفائدة على المستهلك عبر توفير منتجات جيدة ومتنوعة، مشيراً إلى أن شركته لم ترفع أسعار منتجاتها منذ 18 شهراً تقريباً.

وأضاف أن المبيعات عبر المنصات الإلكترونية تقتنص 30% من إجمالى المبيعات، لافتاً إلى أن جزءاً من الزيوت والخامات أصبحت تُنتج محلياً، بعدما بدأت بعض الشركات المصرية تصنيع بدائل مقاربة لجودة المنتجات المستوردة، بينما ما زالت بعض المواد الأساسية مثل المثبتات تُستورد.

التجارة الإلكترونية للعطور

وتوقع مركز ECDB العالمى لتحليل البيانات، أن تتراوح حصة سوق التجارة الإلكترونية لمنتجات العناية الشخصية والعطور فى مصر بين 20% و25% بنهاية 2025، مقارنة بنحو 15 ـ 20% بنهاية 2024، فى حين أسهمت منتجات الاستحمام فقط بنسبة 55% من إجمالى إيرادات السوق الإلكترونى.

وحسب المركز، تراوح معدل الشراء الفعلى لمنتجات العناية الشخصية والعطور إلكترونياً بين 11.5% و12%، كما تراوح معدل إلغاء الطلبات بين 82% و82.5%، خلال 2024، بينما حصل «أمازون» على النصيب الأكبر من حركة الشراء بإيرادات بلغت 36 مليون دولار، وبنمو بنسبة 25%.

وبلغت الإيرادات الشهرية لبيع منتجات العطور والعناية الشخصية إلكترونياً خلال أغسطس الماضى 6 ملايين دولار، ما يمثل نمواً نحو 10% عن الشهر السابق، فى حين حققت إيرادات تناهز 64 مليون دولار بنهاية 2024، بمعدل نمو بلغ 25% مقارنةً بالعام السابق.

وقال أحمد أسامة، خبير التسويق الرقمى، إنَّ قنوات البيع التقليدية كالمولات والمحال والباعة الجائلين، ما زالت صاحبة الحصة الكبرى من مبيعات العطور، مبيناً أن التجارة الإلكترونية تنمو بسرعة، وهو ما سرَّع انتشار تركيبات عطرية رخيصة عبر منصات التسويق الإلكترونى، ما يزيد المنافسة وينمّى فرص الوصول للمستهلك.

وأضاف أن وجود العطور المقلدة والتركيبات فى الأسواق الشعبية «واقع ثابت» لتلبيتها الحاجة السعرية لفئات شتى، مع نمو سوق «التركيبات» كبدائل قريبة من الرائحة الأصلية بسعر أقل، مشيراً إلى أن المصادرات المتكررة لسوق تقليد العطور لم تقضِ عليها، ما دفع العلامات العالمية لإعادة التسعير ودفع التجار لاعتماد آليات تمكّن المستهلك من التحقق أصالة المنتجات، مثل رموز الاستجابة السريعة «QR».

خطط بديلة فى مدينتى الغردقة بالبحر الأحمر وشرم الشيخ جنوب سيناء، بدأت قبل 6 سنوات لرحلة كلير عادل مع مشروعها الصغير لاستخراج العطور من الزهور وصنع مستحضرات التجميل الطبيعية دون إضافات أخرى، ودشنته تحت اسم فرعونى.

تقول «عادل» لـ«البورصة»، إن المنتجات الطبيعية من الزيوت العطرية ومستحضرات التجميل التى يقوم عليها مشروعها، تلقى رواجاً لدى السياح، مبررة ذلك بأن الثقافة تمثل عاملاً مهماً فى تلك المسألة؛ إذ يبحث كثير من العملاء المحليين عن الأرخص.

أضافت أن أكثر من نصف مبيعات العطور من أنواع متوسطة أو شعبية أو عطور مشتركة، مشيرة إلى أن «المقلدة» ذات وجود ثابت فى الأسواق الشعبية وغيرها، إضافة إلى وجود تغليف مقلد وعطور تُشبه الأصلية بنسبة كبيرة.

أما مريم على، فقد اختارت تدشين مشروعها لشراء عبوات العطور الأصلية بمختلف أحجامها وتقسيمها فى عبوات بجرامات محدودة، بعدما اطلعت على صفحة أجنبية تفعل الشيء نفسه.

وقالت إن أبرز الأحجام المتداولة فى تجارتها عبوات 4 و6 و10 مل، مشيرة إلى أن حجم 4 مل الأكثر طلباً من المستهلكين، بينما تتراوح الأسعار ما بين 85 جنيهاً و1000 جنيه للعبوة الواحدة، بناء على نوع العطر وحجمه، مصرحة باستيرادها منتجاتها من بلد المنشأ عبر موزعين موثوقين.

ومن ناحيتها، أوضحت فاطمة الزهراء عبدالله، صاحبة مشروع لتقسيم العطور، أن كثيراً من العملاء يشترون عطوراً أصلية باهظة الثمن، لكنها قد لا تناسب أذواقهم، ما يمثل خسارة لهم، مشيرة إلى أن تقسيم العطور بأسعار مناسبة يتيح للعملاء تجربة أنواع شتى قبل اتخاذ قرار الشراء.

توقعات قريبة للقطاع

تتوقع شركة ستاتيستا العالمية لتحليل البيانات والاستشارات، وصول الحجم الكلى لسوق العطور ومنتجات العناية الشخصية بمصر إلى 428.5 مليون دولار بنهاية العام الجارى، مع وصول عدد مستخدمى العطور «الفاخرة» فقط إلى 11.9 مليون مستخدم بحلول 2029، بينما يبلغ معدل انتشار المستخدمين 8.1% بنهاية 2025، مع توقع أن يكون 9.8% بحلول 2029، حسب الدراسة التى حصلت «البورصة» على نسخة منها.

وعلى خلاف «ستاتيستا»، توقعت «ستراتيجى هليكس جروب» العالمية لتحليل البيانات والاستشارات، نمو حجم قطاع العطور كلياً (الأصلية والمقلدة ومنتجات العناية الشخصية) فى مصر بمقدار 264.8 مليون دولار، بمعدل نمو سنوى مركب نحو 13.7% خلال الفترة من 2025 إلى 2030، حسب دراسة حصلت «البورصة» على نسخة منها.

ووفق دراسة لـ«جلوبال داتا»، فقد سجلت سوق العطور فى مصر معدل نمو سنوياً مركباً بنسبة تناهز 6.2% خلال الفترة 2018 – 2023، بقيمة مبيعات بلغت 135.3 مليون جنيه تقريباً لـ2023، بزيادة نحو 17.1% على 2022، كما كانت العطور «الفاخرة» أسرع قطاع نمواً فى سوق العطور بين عامى 2018 و2023 وسجلت معدل نمو سنوياً مركباً 6.66%.

وبلغ معدل النمو السنوى المركب نحو 5.9% بنهاية 2023 للعطور المقلدة، إذ استحوذت على حصة زادت على 65.5% من السوق، بينما بلغت حصة العطور «الفاخرة» نحو 34.5% من السوق بنهاية 2023، حسب بيانات شركة جلوبال داتا العالمية لتحليل البيانات والاستشارات، حصلت «البورصة» على نسخة منها.

طلب مستدام

قال الدكتور حازم حسانين، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع، إن سوق العطور الفاخرة بمصر قد يتوسع بمعدل سنوى معتدل خلال العقد المقبل، مع وجود مؤشرات على وجود طلب مستدام على العطور، بنمط متمايز؛ حيث الحصة الكبيرة للوحدات الرخيصة والشعبية، بينما الحصة القيمية مهمة للمنتجات الفاخرة.

وأضاف لـ«البورصة» أن القطاع يعتمد على استيراد خاماته فى ظروف تقلبات سعر الصرف وارتفاع تكاليف الاستيراد، ما يخلق تحديات أمام المستوردين تدفعهم لرفع أسعار السوق، بينما تتراكم الضغوط على الأسر المتوسطة ومنخفضة الدخل، ما يدفعها لتركيبات العطور أو النسخ المقلدة).

كتب ـ إبراهيم الهادى عيسى ومى راشد ونورهان حسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى